الباب الرابع عشر في المقامات والحكايات
  خالداً مخلداً. فيحتجون للكفار والفجار ويحملون الذنب على الملك الجبار ونحن نقول: هم الفاعلون وهم المذنبون، واستحقوا نكال الدنيا وعقاب الأخرى بسوء فعالهم ومقالهم.
  وقالوا: هو الذي يجيء بالزاني إلى دار المزني بها ويخلق فيهما الزنا، ولو لا خلقه لما كان في الدنيا زنا، فما بال الحيطان والحراس يتحرس من خلقه وقضائه؟ وما معنى النهي والجلد؟ أيقدرون على الامتناع من حكمه وفعله؟ وكيف يخلق الزنا ثم يأمر بجلد الزاني ورجمه ويوعد بالعذاب الأبد على فعله؟
  وقالوا: ثم جاء بالسارق إلى دورهم وخلق فيه تسنم قصورهم وأخذ أموالهم لا يقدر على الامتناع، ولولا خلقه لما كان في الدنيا سرقة، ثم يأمر بقطعه. أهكذا فعل الحكيم؟
  وقالوا: خلق الغصب في الغاصب ثم يأمر باسترداده منه، ولو لا خلقه لكان الاسترداد مستغنى عنه، ثم أخذ في لعنه لِمَ كان؟ ولولا خلقه لما كان في الدنيا غصب.
  وقالوا: خلق فيه أخذ مال الغير وخلق فيه اليمين الغموس، ثم أوعده بأنها تدع الديار بلاقع وأنها من الكبائر، ولولا خلقه لما كان في العالم يمين غموس.
  وقالوا: يخلق القتل في القاتل ثم يأمر بالقصاص، ولولا خلقه لما كان في العالم قتل ولا احتيج إلى القصاص.
  وقالوا: خلق الكفر في الكافر والشرك في المشرك ثم أمر رسوله أن يدعو إلى عبادته، ولولا خلقه لما كان في الدنيا شرك.