رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الرابع عشر في المقامات والحكايات

صفحة 140 - الجزء 1

  وقالوا: لاضرر ولا ظلم ولا شر في العالم إلا وهو من خلقه وقضائه وإرادته، فمن كان على هذه الصفة أليس يجب الهرب منه والإعراض عنه؟

  وقالوا: ليس للشيطان في الوسوسة صنع ولا للعباد في الذنوب فعل بل كله من خلقه ومن جهته، فأي قوم أشد محاربة له منهم وأسوأ ثناء عليه منهم؟

  ثم إن هؤلاء المجبرة إن أقروا به باللسان وحمدوا ظاهراً فقلوبهم منطوية على بغضه، لأنهم اتهموه حيث قالوا: لا يأمن أحد شره وإن عبده ألف سنة، لعله للنار خلقه وللكفر فطره ويسلبه في آخر عمره الإيمان ويدخله النيران. فإذا قالوا لعن الله من سرق وزنى وظلم وعتا، فإياه عنوا وعليه دعوا، لأن عندهم أن ذلك كله منه وهو الذي أوجده ثم يحتجون للعصاة بأنهم من جهته أتوا، ولو قدروا لأطاعوا، وأنهم للعصيان خُلقوا، وأي ذنب لإبليس وهو منعه من السجود؟ وأي ذنب لفرعون وهو خلق فيه: {أَنا رَبُّكُمُ الأَعلى}⁣[النازعات: ٢٤] وكره منه «سبحان ربي الأعلى» وأي ذنب لنمرود وهو خلق فيه الكفر والعصيان؟ وأي مدح لإبراهيم وهو خلق فيه الإيمان؟ ثم كذبوا الرسل حيث جاؤوا يذكرونهم نعم الله وقالوا: لا نعمة لله عليهم لأنه خلقهم للكفر والنار.

  وكذبوا الرسل أيضاً حيث دعوهم إلى الإيمان ونهوهم عن الكفر والعصيان والقوم قالوا: قلوبنا غلف ولا نقدر على ذلك، والمجبرة تشهد لهم بالصدق ولأقوالهم بالحق رداً على رسول الله ÷.

  واحتجوا لإبليس بما لم يحتج به لنفسه، فإنه قال: {فَلا تَلوموني وَلُومُوا