رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

فصل

صفحة 49 - الجزء 1

  يا عاض بظر أمه؟ نعم يظلمك هوان لك ويعذبك بغير جرم ويخلق فيك الضلال ويأخذك به ويكلفك ما لا تستطيع. فقام معتزلي من بين المجلس وقال: تباَ لك مع هذه المقالة، هذا سوء ثناء على رب العالمين. فقال: أخرجوه ولا تستمعوا إليه.

  وذكر أبو عامر الأنصاري وهو عدلي لمجبر: تعال حتى نصدق وننتصف وننصف، أليس يجوز عندك أن يعذب الله رجالاً لمَ لمْ يكونوا نساءً، ويعذب نساءً لمَ لمْ يكونوا رجالاً، ويعذب سوداً لمَ لمْ يكونوا بيضاً، ويعذب بيضاً لمَ لمْ يكونوا سوداً، كما يعذب الكفار - مع خلقه الكفر فيهم - لمَ لمْ يكونوا مؤمنين، ويكون ذلك منه حسناً وعدلاً وإن كان مثل ذلك منا جوراً؟ قال: نعم. قال: فهلا يجوز أن يقول: أهلكت عاداً ولم يهلكهم، وأقيم القيامة و لا يقيمها، و لا يكون ذلك كذباً منه و إن كان كذباً منا؟ فسكت. ثم قال: لا قول أشنع من هذا، لقد عزمت على الرجوع ورجعت عن هذا القول. فقام القوم إليه بالنعال وقالوا: أتوهن مذهبنا وتضعف مقالتنا؟

  وقرأ قارئ قوله تعالى: {فَأَينَ تَذهَبونَ}⁣[التكوير: ٢٦]، فقال معتزلي يكنى أبا عمران: لو كان الأمر كما تزعمونه يا معشر المجبرة لكان لهم أن يقولوا يذُهب بنا، فلم يكن لهذا القول معنى. كما روي أن مجبراً سئل أين تذهب؟ فقال: لا أدري! حيث يذُهب بي، ثم قال: وهل هذا إلا صفة