رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الأول في ما صدر به الرسالة من الشكوى

صفحة 22 - الجزء 1

  وقد علمتم أن نوحاً لما سأل ربه أن يبقي ابنه أُجيب {إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ}⁣[هود: ٤٦] لمخالفته لك في دينك {فَكانَ مِنَ المُغرَقينَ}⁣[هود: ٤٣] مع الكافرين وأن لوطاً بشر بالنجاة {إِلَّا امرَأَتَهُ كانَت مِنَ الغابِرينَ}⁣[الأعراف: ٨٣]، وإبراهيم لأجل الدين خالف أباه، و أشرك موسى في النبوة أخاه، وأن آسية تبرأت من فرعون وإن عذبت بالأوتاد، وحزبيل تبرأ منه وقال {أَتَقتُلونَ رَجُلًا أَن يَقولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَد جاءَكُم بِالبَيِّناتِ مِن رَبِّكُم}⁣[غافر: ٢٨]، وأن أبا لهب عد أجنبيا وإن كان هاشمياً، وعد سلمان أهليا وإن كان فارسياً. كل ذلك بناءً على الموافقة في الشريعة والتناصر في الملة والتقارب في النحلة.

  ولقد علمتم معاشر إخواني ما بيني وبينكم من موافقة الاعتقاد وما يجمعني وإياكم من خلوص الوداد، فإن اعتمادي عليكم واعتدادي بكم وانقطاعي إليكم، وأنتم الذابون عني والسالكون على سنتي، فينوبني ما نابكم ويريبني ما رابكم، فأنتم مني وأنا منكم، وكأن الشاعر عبر عنا وعنانا بقوله:

  أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا

  فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته أبصرتنا

  وقد علمتم معاشر إخواني ما لقيت ولقيتم من هؤلاء المعتزلة قديماَ وحديثاَ. ولقد عظمت فتنتهم واشتدت شوكتهم وعلت كلمتهم وظهرت