رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الخامس في خلق الأفعال

صفحة 76 - الجزء 1

  بجميع صفاته من الله فأي تأثير للعبد وأي معنى للكسب؟ وقالوا: إن ثبت ذلك واشتركوا في الفعل وجب أن يشتركوا في الحمد والذم والأسماء المشتقة من الأفعال، وكيف أضاف أفعاله إليهم وحظه أكثر وتأثيره أوفر؟ وكيف أوجب الحدود والعقوبات على شيء هو حملهم عليه؟ وقالوا لهم: أيصح أن يحصل الخلق دون الكسب؟ قالوا: لا. قالوا: فيصح أن يحصل على الكسب دون الخلق؟ قالوا: لا، فقالت المعتزلة: فهذه شركة ظاهرة، خرجتم عن التوحيد وقلتم أن القدرة المحدثة قدرة الله. فعند ذلك انقطعوا وبهتوا.

  اجتمع عدلي ومجبر فقال العدلي: أليس قد بعث الله موسى إلى فرعون وقال: {فَذانِكَ بُرهانانِ مِن رَبِّكَ إِلى فِرعَونَ وَمَلَئِهِ}⁣[القصص: ٣٢] وقال: {إِنَّهُ طَغى ٤٣ فَقولا لَهُ قَولًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشى ٤٤}⁣[طه: ٤٣ - ٤٤] ووصاه بما وصاه؟ فقال: بلى. قال: فبعثه ليغير خلقه أو فعل فرعون؟ فإن قلت بالأول فكيف يقدر موسى أن يغير ما خلق الله؟ وأي معنى لقوله {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخشى}⁣[طه: ٤٤] ولم يخلق ذلك فيه؟ وإن قلت بعثه ليغير فعل فرعون فذلك ما نقول. فانقطع المجبر.

  وأنشد العدلي يقول:

  لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن أنادى