رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب السابع في الإرادة و الكراهة

صفحة 98 - الجزء 1

  العصا؟ وكيف يقول: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ ١ قُم فَأَنذِر ٢}⁣[المدثر: ١ - ٢] وبعد لم يخلق أحداً؟، وقالوا: كلام الله هو هذه السور والآيات وهو القرآن ولذلك قال الله تعالى: {إِنّا أَنزَلناهُ قُرآنًا عَرَبِيًّا}⁣[يوسف: ٢] وقال: {ق وَالقُرآنِ المَجيدِ}⁣[ق: ١]، وما قلتم فيه وما جئتم به من صفة الكلام فهو غير معقول. وكثر الكلام بينكم وبينهم حتى ظهر الحق، وعلمت أن هذا الباب لا يتمشى في المعتزلة.

  ففكرت وألقيت إليهم أن هذا الكتاب جمع عثمان - والغرض التشكيك في القرآن - وان فيه زيادة ونقصاناً، وان بعضه ضاع كما أن بعضه شاع. فقبلتم أنتم ورويتم أن داجناً أكل بعضه وأن بعضهم غير بعضه. وقالت المعتزلة: هذا شر من الأول ففيه هدم الدين، وكيف يضيع ما ضمن حفظه رب العالمين فقال: {إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ}⁣[الحجر: ٩]؟ وان هذا القرآن أنزل على رسول الله ÷ كما هو الآن، نزلت الآيات والسور وبين المواضع والمبادئ والمقاطع، وكان كثيرٌ من الصحابة يحفظونه كله كأمير المؤمنين # وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي بن كعب وعثمان وأبي هريرة وعمر بن الخطاب وغيرهم، ولما كان يوم مسيلمة الكذاب وقتل حفاظ الكتاب أمر الصديق بكتب القرآن في المصاحف ثم جمعها عثمان على مصحف هو التام كما كان في أيام رسول الله، ورووا أن أبياً قرأ القرآن كله على - رسول الله ÷ - وان عليَّاً قرأه على رسول الله كما هو.