رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

فصل

صفحة 102 - الجزء 1

  ولما أظهرت هذه الفصول في أمر الرسول قام معتزلي وقال: كذبت يا عدو الله على الله وعلى رسله، بل العبد مُخَلّى كما قال [الله تعالى]: {وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر}⁣[الكهف: ٢٩]. قلت لمشايخنا: أجيبوه! فلم يكن عندهم شيء.

  ولما لم يقبلوا مني هذا دبرت فألقيت إليهم أن الأنبياء يكذبون ويذنبون وإن آدم أكل من الشجرة حتى أخرج من الجنة، وإن إبراهيم كذب ثلاث كذبات، وأن يونس غضب على ربه فحبس في بطن الحوت بعقوبته، وأن داود عشق امرأة أوريا فأمر به فقتل فتزوج بامرأته بعد أن كان قال كلني إلى نفسي، وأن سليمان عبد الصنم في بيته وجلس الشيطان على سرير ملكه وباشر نساءه وجواريه في حال الحيض ولم يصل العصر اشتغالاً بالخيل ثم عاقبها بضرب السوق الأعناق، وأن يوسف قعد بين فخذي امرأة العزيز حتى نودي بالنهي عن الذنب، وأن إخوته ألقوه في الجب وهم بالغون أنباء لما آثره أبوه عليهم بالحب، وأن محمداً مدح الأصنام فقرأ «تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى»، وأنه عشق امرأة زيد فحملها على الافتراق فأمر زيداً بالطلاق ثم تزوج بها وخاف الناس ولم يخف الله. كل ذلك تنفيراً عن المرسلين الذين هم أصل الدين.

  فقبلتم ذلك مني وذكرتموه على المنابر ودرستموه في المدارس ودونتم ذلك في الكتب، غير هؤلاء المعتزلة - الذين هم أعدائي وأعداؤكم - فإنهم أنكروا ذلك كله وقالوا: الأنبياء معصومون عن الخطأ والزلل في القول والعمل، وأن أقوالهم وأفعالهم حجة، وأنهم شهداء الله على خلقه والقائمون على دينه وهم المختارون الموصوفون بأنهم مخلصون.