فصل
  ولما وقعت هذه المسألة وأظهر كل مذهبه لم يصدقوا شيئاً مما روينا ولا قبلوا شيئاً مما قلنا، وذكروا أنه قيل الشيطان ودسيس الملحدين، وكيف يجوز ذلك عليهم وهم الأخيار الأبرار كما قال الله: {وَإِنَّهُم عِندَنا لَمِنَ المُصطَفَينَ الأَخيارِ}[ص: ٤٧]، فطالبنا المعتزلة بتصحيح مذهبهم، فذكروا أمراً معقولاً وتلوا آيات وفصولاً.
  قلنا: وما معنى قصة آدم؟ قالوا: كان نهي تنزيه لا نهي تحريم، أو ترك الاستدلال فأكل غير ما وقع إليه الإشارة بالمقال. قلنا: فما باله سمى ابنه عبد الحرث حتى وصفا بأنهما {جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ}[الأعراف: ١٩٠]؟ قالوا: كذبت! لم يكن ذلك من آدم وإنما كان قوم من أولاده قالوا ذلك.
  قلنا: فما معنى قول إبراهيم: {فَنَظَرَ نَظرَةً فِي النُّجومِ ٨٨ فَقالَ إِنّي سَقيمٌ ٨٩}[الصافات: ٨٨ - ٨٩]. قالوا: كان سقيماً. قلنا: قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[الأنبياء: ٦٣] قالوا: قال بشرط أن يتكلموا. قلنا: فحديث داود؟ قالوا: كل ما رويتم فكذب وزور. قلنا: فحديث سليمان؟ فقالوا: لم ينزل بما قلتم القرآن. قلنا: قوله: {وَأَلقَينا عَلى كُرسِيِّهِ جَسَدًا}[ص: ٣٤]؟ قالوا: هو جسده يمرض. قلنا: قوله {رُدّوها عَلَيَّ}[ص: ٣٣]؟ قالوا: ذلك الخيل فمسح سوقها وأعناقها وسبلها.