رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثاني عشر في جزاء الأعمال والوعيد

صفحة 121 - الجزء 1

الباب الثاني عشر في جزاء الأعمال والوعيد

  قلت عمدة هذا الباب الإقدام على الطاعات واجتناب الخطيئات، وعلمتُ أني إن نهيتهم عن الطاعات وأمرتهم بالمعاصي كان صريح مخالفة الشرع ولا يروج ذلك. فألقيتُ أن لا جزاء على واحد، وأن الطاعة لا يُستحق بها الثواب والمعاصي لا يُستحق بها العقاب، ويجوز أن يُدخل الله فرعون وسائر الكفار دار القرار والأنبياء دار البوار، أنّفّرُ الناس عن الطاعات وأُجرؤهم على المعاصي، فقبلتم ذلك وقلتم: ديننا ودين آبائنا، مرحباً بالاتفاق!

  وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار وقالوا: في هذا هدم الدين ومخالفة كتاب رب العالمين في قوله: {جَزاءً بِما كانوا يَعمَلونَ}⁣[السجدة: ١٧]، ولو كان الأمر كما زعمتم فما معنى الحساب والجزاء؟ وما معنى الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية؟ وتلوا: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ يُدخِلهُ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ}⁣[النساء: ١٣]، {وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدودَهُ يُدخِلهُ نارًا خالِدًا فيها}⁣[النساء: ١٤] ونحو ذلك من الآيات.

  وألقيتُ إليهم - حثاً على المعاصي وجراءة وتثبيطاً عن الطاعة - أن يوم القيامة يحمل ذنوب أهل الإسلام على اليهود والنصارى، ويدفع إليهم طاعة