رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

فصل

صفحة 44 - الجزء 1

فصل

  فكرت وقلت: من أصول هذا الباب إثبات المكان، فألقيت إليهم أنه تعالى في مكان وأنه على العرش، فقبلتم أحسن قبول واعتقدتم ذلك وناظرتم فيه. غير هؤلاء المعتزلة فإنهم قالوا المكان يوجب التجسيم، والجسم يكون محدثاَ. وقالوا: ما جاز أن يكون في مكان جاز أن يكون في غيره، وذلك يوجب جواز الحركة والسكون والزوال والانتقال. وقالوا: ما الفرق بين ملك على سريره وبين الرب على كرسيه على هذا المذهب؟ وهل هذا إلا مناقض لقوله تعالى: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ}⁣[الشورى: ١١] وقوله {وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ}⁣[ق: ١٦].

  حضرت يوماَ مجلساَ وفيه جماعة من مشايخنا ومن المعتزلة، فجرت مسألة العرش، فقال شيخ منا: إنه تعالى يقول: {الرَّحمنُ عَلَى العَرشِ استَوى}⁣[طه: ٥] ولفظة على تقتضي الفوق. فقال المعتزلي: فقل في قوله تعالى: {وَلَو تَرى إِذ وُقِفوا عَلى رَبِّهِم}⁣[الأنعام: ٣٠] أنهم فوقه. فانقطع.

  وروى بعضهم أنه تعالى خلق آدم على صورته، فقال المعتزلي: فإذاَ يجب أن يكون مؤلفاَ مركباَ محدثاَ كما كان آدم. قال: فما معنى الحديث؟ قال: إن صح فالمراد ما قيل أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - رأى رجلاَ فقال إن آدم كان على صورته، وقيل أراد أنه خلقه على ما كان عليه من غير انتقال من حال إلى حال. فقالوا: الصواب أن لا نمكن المعتزلة من حضور مجالسنا