رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الثالث في العدل

صفحة 47 - الجزء 1

الباب الثالث في العدل

  تأملت أحوال هذه الملة فوجدتهم بأجمعهم يقولون إنه تعالى عدل لا يظلم و لا يجور، إن جميع أفعاله حق وجميع أقواله صدق، وذكروا أن ذلك معلوم من دين النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ضرورة وأن الكتاب نطق به نصاَ، وعلمت أني لو دعوتهم إلى مخالفة هذا الظاهر لا يروج ولا يقبل. فدعوتهم إلى أمور تفصيلها نقض هذه الجملة وإثباتها رفع هذه الكلمة. فأول ما ألقيت إليهم أنه تعالى لا يقبح منه شيء لأن الأمر أمره والملك ملكه، وأنه ليس بمأمور و لا منهي ولا مملوك و لا مربوب وإنما يقبح الأمور لهذه الوجوه. ثم ثنيت عليه أن جميع القبائح منه، وأنه يخلق الكفر ثم يعذب عليه، وأنه يعذب بغير ذنب ويعذب واحداَ بذنب آخر، وأنه يخلق للنار قوماَ ويكلف ما لا يطاق، إلى غير ذلك. فقابلتموني بالقبول وصدقتموني في ما أقول و دنتم به ونصرتموه.

  و أنكرت المعتزلة هذا الأصل أشد الإنكار، وقاموا وقعدوا في إبطاله، وقالوا هذا ينقض الأصل المجمع عليه و ما أشارت النصوص إليه، وقالوا: لا ظلم أعظم من أن يعذب بغير ذنب أو يخلق الكفر ثم يعذب عليه، وذكروا أن القبيح قبيح من كل فاعل وأنه يقبح لوجه يرجع إليه، ودلوا على ذلك بأنه لو قبح للنهي لحسن للأمر فكان لا يحسن منه شيء، وقالوا: لو جاز ما قلتم لجاز أن يظهر المعجز على [أيدي] الكذابين فيحسن منه، ولجاز أن يكذب في أخباره فيحسن، ولجاز أن يرسل رسولاَ يدعو إلى الباطل