رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب الرابع في القضاء والقدر وذكر القدرية

صفحة 63 - الجزء 1

الباب الرابع في القضاء والقدر وذكر القدرية

  لقد فكرت في مسألة القضاء والقدر فوجدت لي فيها مجالاً وفي المقام مقالاً، فألقيت إليكم أن الكفر وجميع المعاصي بقضاء الله وقدره، فقبلتم مني وجعلتم ذلك عمدةً لكم وأحلتم كل قبيح يحدث في العالم على القضاء والقدر.

  وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار وقالوا: ما معنى قولكم كل شيء بقضائه؟ إن أردتم «بخلقه» فمعاذ الله أن يكون الكفر بقضائه وخلقه، وإن أردتم «بأمره» فهو خلاف الإجماع لأنهم أجمعوا [على] أنه لا يأمر بغير الطاعات، وان أردتم «العلم والبيان» فنحن نقول إنه يعلم جميع الأشياء قبل كونها لأنه عالم لذاته لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وقالوا: ثبت في دين النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن الرضا بقضاء الله واجب، فلو كان الكفر بقضائه لوجب الرضا به، والرضا بالكفر كفر، وتلوا قوله تعالى: {وَلا يَرضى لِعِبادِهِ الكُفرَ}⁣[الزمر: ٧]. وقالوا: من قال إنه يرضى الكفر فقد خالف النص. وقاموا على رأس هذا الأمر، فأعياني أمرهم و بهتني شأنهم.