الباب الثامن الكلام في القرآن
الباب الثامن الكلام في القرآن
  فكرت وقلت: مدار أمورهم على القرآن، عليه يعتمدون وإلى آياته يرجعون ومنه يأخذون ويتلون {وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا}[آل عمران: ١٠٣] ويروون عن النبي ÷: عليكم بالقرآن فإن فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم. وعلمت أني لو دعوتهم إلى رفض الكتاب أصلاً ما تمشى لي أمر، فطلبت للكلام مجالاً وأتيتهم حالاً فحالاً، استدرجهم من حيث لا يعلمون.
  فألقيت إليهم أولاً أن ما في المصحف ليس بقرآن ولا كلام الله، وأن المكتوب والمسموع من القارئين والمتلو في المحاريب والمفصَّل من الآيات والسور ليس بقرآن، وإنما القرآن صفة قائمة بذات الباري لا يقرأ ولا يسمع، تنفيراً عمَّا في المصحف. فأما أنتم معاشر إخواني فقبلتم ذلك مني وجعلتم ذلك عمدة وأوصى به السلف الخلف. ورددتم على المعتزلة حيث خالفوكم وخالفوني وقالوا: كلام الله سور وآيات والقرآن متلو ومسموع ومكتوب ومحفوظ، وأنه تعالى كلَّم موسى في وقته وكلَّم محمداً في حينه، وكيف يقول يا موسى: {أَلقِ عَصاكَ}[الأعراف: ١١٧] وبعد لم يخلق موسى ولا