رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

الباب التاسع في النبوات

صفحة 101 - الجزء 1

الباب التاسع في النبوات

  لما رأيت أن أساس أمرهم على النبوة وقواعد دينهم على الرسالة فيها يحتج الله على العباد حيث قال: {رُسُلًا مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ لِئَلّا يَكونَ لِلنّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ}⁣[النساء: ١٦٥] وقال {وَما كُنّا مُعَذِّبينَ حَتّى نَبعَثَ رَسولًا}⁣[الإسراء: ١٥]، ووجدتهم أجمعوا على النبوات وعدوها أصلاً وردوا على البراهمة واليهود في إنكارها، علمتُ أن لا مجال للكلام في دفعها أصلاً. فدبرت في هدمها من وجه لا يعلمون وأتيت في ذلك شيئاً فشيئاً من حيث لا يشعرون.

  فأول ما ألقيت إليهم من هذا الباب: أن الرسول لا معنى له والكتاب لا فائدة فيه، لأنه إذا كان الإيمان والكفر من خلق الله والكافر لا يؤمن إذا لم يخلق فيه الإيمان وإن ملأ الدنيا بالرسل والكتب، وإن خلق فيه الإيمان آمن وإن لم يكن ثم رسول ولا كتاب، فأي فائدة للرسل وأي تعلق له بالأعمال؟ وإذا قيل لئلا يكون للعباد حجة فقولوا أي حجة أعظم من أن يقول: خَلقت فيّ الكفر وأردته وأعطيتَ الاستطاعة الموجبة له ومنعتني من الإيمان فلم تخلقه فيّ ولم تُرده، فهل ينفع مع هذا رسول أو تنقطع حجة؟. فقامت المعتزلة على إنكار هذه المقالة وقابلوني بالرد، وقبلتم أنتم، فشكرت سعيكم.