رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

فصل

صفحة 110 - الجزء 1

  فلما ذكروا هذه الآيات ورووا هذه الآثار واحتجوا بها ضاق صدري بهم وقلَّت حيلتي فيهم، ولولا هؤلاء لتبعني الناس أجمعون.

  ومما ألقيت إليهم من هذا الباب أن الطاعة تجب لكل متغلب ولو كان عبداً حبشياً، وأنه لايجوز الخروج على أحد وإن كان ظالماً جائراً، ألتمس بذلك إبطال الإمامة والأمر بالمعروف وترك الخروج على الظلمة ليظهر الفساد ويخفى السداد ويندرس الحق. فقبلتم ذلك مني ورويتم في تأييده الأحاديث وتقربتم إلى أئمة الضلال وإلى الجهال.

  وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار، وقالوا بل الطاعة تجب لكل تقي معصوم لا يظلم ولا يجور، وإن دفع الظُلم والظلمة واجب بحسب الإمكان، وتلوا: {وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقتَتَلوا}⁣[الحجرات: ٩]، وتلوا: {وَأمُر بِالمَعروفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ}⁣[لقمان: ١٧]، ورووا في ذلك آثاراً وأبطلوا بذلك ما أصّلت وأفسدوا ما صححت.

فصل

  فكرت وقلت: لا أجد أحداً أعظم أثراً في هدم الدين من معاوية، فإنه أول من خرج على أمير المؤمنين # ثم تبعه السفيانية والمروانية، فهو المؤسس وهم بنوا وهو مهّد الأمر وعلى طريقته مشوا، فألقيت إليكم إنه فعل ما فعل باجتهاد، وأنه ما أصاب ولا يجوز لعنه، وأنه كان إماماً من أئمة المسلمين، وأن لعنه خطأ وأنه خال المؤمنين وكاتب كلام رب العالمين، وأن أهل بيته كلهم أئمة لايجوز البراءة منهم بل يجب موالاتهم.