فصل
  (قلنا: لا واجب على الله تعالى) عن ذلك لعباده، (كما مرَّ) ذكره في الألطاف.
  وقال (المهدي #، وبعض صفوة الشيعة، وكثير من المعتزلة: لا يجب) على المكلف أن يعلم ذلك عقلاً؛ (لأنَّ الشرائعَ ألطافٌ في العقليات) أي: في الواجبات العقلية، ومعنى كونها ألطافاً عندهم في العقليات: أنَّ فعلَ الواجبات الشرعية من نحو الصلاة والصيام وسائر الوجبات الشرعية يكون مُسهِّلاً لفعل الواجبات العقلية من نحو: رَدِّ الوديعة ونحو ذلك.
  (و) أمَّا (الشكر) فقالوا إنَّما هو (الاعتراف فقط) أي: من غير عملٍ.
  (لنا) حجة عليهم: (قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ: ١٣] الآية، ونحوها) فنص سبحانه على أن العمل بالطاعات شكر له على نعمه، (و) لنا أيضا (إجماعُ أهل اللغة على أنه) أي: الشكر (قولٌ باللِّسان واعتقادٌ بالجَنَانِ، وعملٌ بالأركان. في مقابلة النعمة).
  (قالوا: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[العنكبوت: ٤٥] فدلَّ) ذلك (على أنها) أي: الصلاة ونحوها (ألطافٌ في العقليات).
  (قلنا:) ليس الناهي مجرد فعلها (بل هي سبب) في حصول الناهي، وهو (التنوير الذي أراده تعالى بقوله: {إَن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[الأنفال: ٢٩] أي: تنويراً تَفرقون به بين الحق والباطل، فهي) أي: الصلاة (كالناهي) عن الفحشاء والمنكر؛ (لَمَّا كانت سبباً لحصول التنوير الزاجر عن ارتكاب القبائح، وذلك لم يخرجها عن كونها شكراً لِلَّهِ تعالى).
  و (قالوا) أيضاً: (وردت الشرائع على كيفيات مخصوصة) مثل القيام والقعود في الصلاة، والوقوف في الحج، والإمساك في الصيام وغير ذلك (ولا يقتضي ذلكَ(١)) أي: الكيفيات المخصوصة (نعمةُ السيِّد على عبده) وإنما تقتضي الاعترافَ بها والتعظيم لِمُولِيْهَا.
  (قلنا: بل تقتضي) نعمةُ السيِّد (الامتثالَ) من العبد (بفعلها) أي فعل الشرائع (و) تقتضي (مطابقة مراده) أي: مراد السيد (بتأديتها ولذلك وجبت) أي: لأجل كون نعمة السيد تقتضي
(١) ذلك: مفعول، ونعمه: فاعل. ولفظ المتن في الشرح: «ولا تقتضي».