فصل [في الدلالة على أن الله عدل حكيم]
  (إذ لا يكون ذلك(١) لأحد من المكلفين إلَّا لمن عبدَهُ) أي: أطاعه (تعالى لما يأتي إن شاء الله تعالى) في فصل الإثابة.
  (قالوا) أي: المجبرة: (قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ..} الآية) [الأعراف: ١٧٩].
  (قلنا: اللَّام فيه للعاقبة، كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}) [القصص: ٨]، ومع هذا فإنه يمكن جعل اللَّام على أصلها للتعليل، ويكون المرادُ بالذرءِ هو الذَّرْءُ الثاني، أي: الذرء في القبور يذرؤهم تعالى للبعث بعد الموت، ولفظ {ذَرَأْنَا} وإن كان ماضياً فمعناه مستقبل كقوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ}، ومما يؤكد ذلك أيضاً ما قاله القاسم والهادي @ في تفسير قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ... الآية} المرادُ: هو الذَّرْءُ الثاني، فتكون اللَّامُ على أصلها.
  قالت (العدلية: وخَلَقَ اللهُ غيرَ المكلف: الجمادات لنفع الحيوان) من بني آدم وغيرهم (مُجَرَّداً عن اعتبارٍ لغير العقلاء(٢)، ومعه للعقلاء) أي: وللنفع مع الاعتبار في حق المكلفين.
  (و) خلق الله سبحانه (سائرَ الحيوان غير المكلف؛ ليتفضَّل عليه) بأنواع النعم من الملاذ وغيرها كالمأكل والمشرب ونحو ذلك، ويجوز أن يقصدَ بخلقها مع ذلك نفع المكلفين بها في شؤون حياتهم، وللاعتبار أيضاً في خلقها وهو معنى قوله (ع) (وفي) خلق (كل حيوان اعتبار) لمن نظر وتفكر فيه بعين الاعتبار، أي: دليل على عظمة الله وربوبيته وآيات علمه وقدرته.
  (وإباحةُ(٣) الله بعض الحيوان لبعض) بالذبح ولأكل (نحو المذكَّيات) من المواشي وغيرها، (و) كذلك (التَّخليةُ) بينها (حسنةٌ؛ لَمَّا كانت لمصالح لها يعلمها الله تعالى)؛ لأنه تعالى عدل حكيم، لا يفعل ما لا حكمة في فعله؛ لهذا (فهي) أي: الإباحة والتخلية (كالفصد) يكون لدفع مضرة أعظم مما كانت، أو لجلب منفعة.
(١) لفظ المتن: (ذلك) سقط من نسخة (ث).
(٢) لفظ المتن: (عن اعتبار غير العقلاء) من نسخة (ب).
(٣) إباحة: متبدأ، وحسنة خبره.