الفصل الرابع الشاهد والواقع الحضاري
  وهذا العدد الزاخر من المصادر والمراجع التي استعملها لم يكتف بحفظها في ذاكرته ويزعم أن هذه المعلومات هي نبع ذاكرته العلمية التي حفظها من شيوخه بل يعزز ذلك بالإحالة كي لا يترك مجالا للحيرة أو الشك.
  ثم هل اكتفى بعلم أدبي واحد كما وجده عند القزويني ليجعل كتابه درّة البلاغة؟ لم يكتفي العباسي بجعل كتابه زهرة بلاغية شارحة لمتن بلاغي بل امتد بشرحه للشاهد إلى علوم الأدب المختلفة وهذا «النموذج» يوضح ما أصبو إليه فاللغة لها حقلها والنحو له وجوده وكذلك النقد الخاص لرأيه أو لغيره، والتاريخ والتراجم والعروض.
  كل ذلك استعمله العباسي في شرحه للشاهد، فما حكمته في ذلك؟ هل قصد فقط ضبط الشاهد بقائله؟ أم أنه يريد القول للدارس خذ هذا الدرر وأنت مرتاح الخاطر؟ بالتأكيد عندما يجد الدارس الكم الواسع في المعرفة الأدبية لهذا الكاتب لا يجد مناصا في الأخذ ولا يجد خلاصا من الارتواء من هذا النبع، فالكتاب موسوعة تغني الدارس من الرجوع إلى مكتبة ضخمة.
  وهكذا أجد الشاهد البلاغي في معاهد التنصيص صورة صادقة للبيئة الثقافية المحيطة بالعباسي ومرآة معبرة لخوالج نفس المؤلف بمحتواها المعرفي الواسع ومنهجه التأليفي الواضح الذي اختطه لنفسه منذ بداية رغبته بخط حروف هذا العمل.