أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب نوني التوكيد

صفحة 103 - الجزء 4

  وأما الشّديدة فتقع بعدها اتفاقا، ويجب كسرها، كقراءة باقي السبعة: {وَلا تَتَّبِعانِّ}.

  الثاني: أنّها لا تؤكّد الفعل المسند إلى نون الإناث، وذلك لأنّ الفعل المذكور، يجب أن يؤتى بعد فاعله بألف فاصلة بين النّونين، قصدا للتخفيف؛ فيقال: (اضربنانّ) وقد مضى أن الخفيفة لا تقع بعد الألف، ومن أجاز ذلك فيما تقدم أجازه هنا بشرط كسرها⁣(⁣١).

  الثالث: أنّها تحذف قبل الساكن، كقوله:

  [٤٧٦] -

  لا تهين الفقير علّك أن ... تركع يوما والدّهر قد رفعه


(١) اعلم أن التقاء الساكنين يغتفر في العربية بشرطين؛ أولهما: أن يكون أول الساكنين حرف لين كالألف، وكالواو المفتوح ما قبلها أو المضموم ما قبلها، وكالياء المفتوح ما قبلها أو المكسور ما قبلها، وثانيهما: أن يكون ثاني الساكنين مدغما في مثله، فإذا علمت هذا تبين لك السر الذي اعتمد عليه البصريون في جواز وقوع النون الشديدة بعد الألف، وعدم جواز وقوع الخفيفة في هذا الموضع.

[٤٧٦] - هذا الشاهد من كلمة للأضبط بن قريع السعدي، قال ثعلب: بلغني أنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل؛ والذي ذكره المؤلف من هذه الكلمة بيت من المنسرح قد حذف من أول جزئه الأول سبب خفيف، فآخر الشطر الأول (أن) ولا تلتفت إلى ما قيل سوى هذا؛ فإن أول الكلمة قوله:

لكلّ همّ من الهموم سعة ... والمسي والصّبح لا فلاح معه

اللغة: (تهين) مضارع من الإهانة، وهو الإذلال والاحتقار والازدراء (الفقير) أصله في اللغة الذي انكسر فقار ظهره، ثم أطلق على المعدم الذي لا يجد حاجته من المال لأنه يشبه من انبت ظهره وعدم الحول والقوة (علك) هي لغة في لعلك، وقد تقدم في أوائل حروف الجر بيانها وذكر أصحابها (تركع) أصله مضارع من الركوع وهو الانحطاط من أعلى إلى أسفل، وأراد لعلك أن تصيبك جائحة فتبدل حالك الحسنة بحالة مغايرة لها (رفعه) أراد بدل حاله السيئة بحالة أخرى حسنة.

المعنى: يقول: لا تحتقر أحدا من الذين تراهم دونك، ولا تزدره، ولا تصغر من شأنه، فإنك لا تدري ما عسى أن تتمخض الأيام عنه، فربما بدلتك من حالك الحسنة حالا سيئة وربما بدلته هو من حاله السيئة حالا حسنة. =