أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب إعراب الفعل

صفحة 132 - الجزء 4


= أمر في غاية الوضوح.

وأما البصريون فقالوا: إن علة إعراب الفعل المضارع مشابهته للاسم، في عدة وجوه، والشيء إذا شابه الشيء شبها قويا أخذ حكمه، وقد علمت أن من حكم الاسم الإعراب، فأخذ الفعل المضارع - لما أشبهه شبها قويا - هذا الحكم.

فأما وجوه الشبه بين الفعل المضارع والاسم فخمسة وجوه.

الوجه الأول: أن الفعل المضارع يقع في مواقع كثيرة يقع فيها الاسم، ألا ترى أن الاسم يقع خبرا نحو (زيد قائم) والفعل المضارع يقع صفة نحو (هذا رجل يجود) والاسم يقع صلة مع كلمة أخرى نحو (جاءنا الذي قام أبوه) أو وحده نحو (جاء قائم) وكذلك الفعل المضارع يقع صلة نحو (جاءنا الذي يقوم أبوه) ونحو (جاء الذي يقوم) والاسم يقع حالا نحو (جاء زيد راكبا) والفعل المضارع يقع حالا نحو (جاء زيد يركب) فلما وقع الفعل المضارع في هذه المواقع التي يقع فيها الاسم كان شبيها به.

الوجه الثاني: أن الفعل المضارع قد يحتاج إلى حركات الإعراب لبيان المعنى المراد منه في العبارة كما أن الاسم يحتاج إلى حركات الإعراب ليدل على المعنى المراد منه، وقد ضربنا لذلك مثلا في الاسم كما ضربنا له مثلا في الفعل فيما أسلفناه في هذا المبحث، فلا حاجة بنا إلى إعادته هنا.

فإن قلت: أفلست قد أنكرت على الكوفيين أن يتمسكوا بهذا الوجه لقصور هذا المعنى في الفعل عنه في الاسم، لأنه في الفعل غير متعين، وهو في الاسم متعين؟.

قلت: إنما أنكرت على الكوفيين أن يتمسكوا بهذا الوجه فيجعلوه سببا موجبا لأن يكون الإعراب أصلا في الفعل كما كان سببا موجبا لكون الإعراب أصلا في الاسم، فأما أن يكون هذا وجها من وجوه مشابهة الفعل المضارع للاسم فلست أنكر شيئا منه، وخاصة لأني أعلم أن وجه الشبه يكون في المشبه أضعف منه في المشبه به.

وأنت لو تأملت في الأمر مليا وجدت الكوفيين يحكمون بكون الإعراب أصلا في الفعل قياسا على الاسم، ويجعلون توارد المعاني المختلفة المحتاجة في التمييز بينها إلى الإعراب علة لهذا القياس، وقد علمنا أن وجود العلة في الفرع - وهو هنا الفعل - يجب أن يكون مثل وجودها في الأصل - وهو هنا الاسم - فإذا ضعف وجود العلة في الفرع عن وجودها في الأصل كان قياسا مع الفارق، وهو لا يجوز، أما البصريون فيذكرون أن علة الإعراب في الفعل المضارع هي مشابهته للاسم، ويذكرون وجوه المشابهة العديدة -