أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[ناصبه أربعة]

صفحة 136 - الجزء 4

[ناصبه أربعة]

  وناصبه أربعة:

[الأول «لن»]

  أحدها: (لن) وهي لنفي (سيفعل)⁣(⁣١)، ولا تقتضي تأبيد النفي ولا تأكيده، خلافا للزمخشري⁣(⁣٢)، ولا تقع دعائيّة، خلافا لابن السّرّاج⁣(⁣٣)، وليس أصلها (لا)


(١) أراد المؤلف بقوله: (وهي لنفي سيفعل) أن لن تدل على نفي الفعل المستقبل، وهو الذي يعبر المتكلم عنه بقوله سيفعل، لأن السين - كما تعلم - تخلص الفعل المضارع الذي يحتمل الحال والاستقبال بحسب وضعه للاستقبال، فإذا قال قائل؛ (سيحضر خالد) فأردت أن تنفيه قلت: (لن يحضر).

ثم إن نفي لن للفعل في الزمان المستقبل على ضربين، لأنه إما أن يكون لهذا النفي غاية ينتهي إليها، نحو قوله تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} فإن نفي البراح مستمر إلى رجوع موسى، ومثل قوله تعالى: حكاية عن أخي يوسف {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} فإن نفي براحه الأرض مستمر إلى أن يجيئه الإذن من أبيه، وإما أن يكون نفي لن مستمرا إلى غير غاية، نحو قوله تعالى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} فإن انتفاء خلقهم الذباب مستمر أبدا، لقيام الدليل العقلي على أن خلقهم إياه محال. والمحال لا يقع، فإنه لو وقع لانقلب ممكنا، وهو لا يجوز.

(٢) ادعى جار اللّه الزمخشري دعويين كل منهما غير مسلمة له.

أما الدعوى الأولى فذكرها في كتابه الأنموذج، وحاصلها أن لن تدل بحسب وضعها على تأييد النفي، وأنه لا غاية له ينتهي إليها، وعلى قوله: هذا يبطل تقسيمنا نفي لن إلى الضربين اللذين ذكرناهما آنفا، ويكون نفي لن نوعا واحدا، وقد استدل لما ذهب إليه بنحو قوله تعالى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً}.

ولا صحة لما ادعاه، ولا دليل له فيما استدل به، فأما عدم صحة دعواه فيدل له ثلاثة أمور؛ أولها أن (لن) لو كانت دالة على تأييد النفي في كل مثال ترد فيه لكان ذكر طرف دال على وقت معين معها تناقضا، وقد ذكر في القرآن الكريم لفظ {الْيَوْمَ} معها في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} إذ كيف ينتفي تكليمها إنسيا نفيا مستمرا لا إلى غاية ثم يقيد ذلك بقوله اليوم في أفصح كلام وأبعده عن التناقض والاختلاف، والوجه الثاني أن لن لو كانت تدل كلما ذكرت على تأبيد النفي لكان ذكر لفظ (أبدا) معها تكرار لأن المفروض أنه مستفاد منها، وقد ورد ذكر أبدا معها في القرآن الكريم في نحو قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً} والقرآن مصون عن التكرار، والوجه الثالث أنها لو كانت دالة على تأبيد النفي لم يصح أن يذكر معها ما يدل على انتهائه نحو ما ذكرنا من قوله =