[ناصبه أربعة]
= تعالى: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} وقوله جلت كلمته {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}.
وأما استدلاله على أنها تدل على تأبيد النفي بقوله تعالى: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً} فغير صحيح، لأن الدلالة على استمرار عجزهم عن خلق الذباب لم تدل عليه لن، وإنما دل عليه دليل عقلي كما قلناه في أول كلامنا، وكلامه في دلالة لن وضعا، ولئن سلمنا جدلا دلالتها على تأبيد النفي في هذه الآية بمعونة العقل فإنا لا نسلم أنها في كل تعبير ترد فيه تدل على ذلك، فبطلت دعواه ولم يسلم له استدلاله.
وأما دعواه الثانية فإنه ذكر في الكشاف في تفسير قوله تعالى لموسى {لَنْ تَرانِي} أن لن تدل على تأكيد النفي، وهذا كلام غير مسلم، بل لن مثل لا، كلاهما يحتمل أن يكون المراد به نفي الفعل في جميع أجزاء المستقبل وأن يكون المراد به نفي الفعل في بعض أجزاء الزمن المستقبل، فإذا قال لك قائل (قم) فقلت له (لن أقوم) صلح ذلك القول منك لأن تريد به أنك ممتنع عن القيام في جميع أجزاء الزمن المستقبل وأن تريد أنك ممتنع من القيام في بعض أجزاء الزمن المستقبل، ولو قلت: (لا أقوم) لكان صالحا لذلك أيضا من غير أن يدل على تأبيد أو تأكيد.
(٣) ذهب ابن السراج وابن عصفور وتبعهما جماعة من النحويين إلى أن (لن) تقع دعائية، أي أن الفعل الذي يليها يكون مقصودا به الدعاء واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: {رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} وهو كلام عجيب، لأن الآية الكريمة لا يتعين فيها هذا المعنى، بل ليس هذا أفضل ما ينبغي أن تحمل عليه؛ فإن أحسن من هذا أن تكون لن دالة على النفي المحض، ويكون قائل هذه الجملة يعاهد ربه على ألا يظاهر مجرما شكرا لتلك النعمة التي أنعم بها عليه.
وأعجب من هذا أن المؤلف ابن هشام اختار في كتابه مغني اللبيب أن لن تأتي للدلالة على الدعاء، واستدل لذلك بقول الشاعر:
لن تزالوا كذلكم ثمّ لا زل ... ت لكم خالدا خلود الجبال
فإن لن في صدر هذا البيت تحتمل أن تكون دالة على النفي المحض، حتى لو قلنا (لا) بعدها دالة على الدعاء، فإنه لا يلزم أن يتحد المعطوف مع المعطوف عليه خبرا أو إنشاء، ولم يكتف بنفي هذا القول في كتابه قطر الندى، بل رد عليه بما لا يزيد على ما ذكرناه، فاعرف ذلك، واللّه يرشدك.