أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب إعراب الفعل

صفحة 160 - الجزء 4

  الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ}⁣(⁣١)، أو باعتبار ما قبلها، نحو: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ


= أن، كما في قولنا (اذكر اللّه حتى تطلع الشمس) فإن معنى هذا الكلام: اذكر اللّه إلى أن تطلع الشمس، والشيء إذا قام مقام شيء أدى مؤداه، فوجب أن تؤدي حتى مؤدى كي أو إلى أن؛ وقد اتفقنا على أن كي تنصب المضارع بنفسها كما اتفقنا على أن (أن) تنصب المضارع بنفسها، فكذلك ما أدى مؤداها ووقع موقعها.

وأما البصريون فاحتجوا بأن (حتى) قد جاءت في كلام العرب حرف جر تعمل في الأسماء، نحو قوله تعالى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} وإذا كانت حتى من عوامل الأسماء باتفاق بيننا وبينكم لم يجز أن تكون - مع ذلك - من عوامل الأفعال، لأن عوامل الأسماء لا تكون عوامل في الأفعال كما أن عوامل الأفعال لا تكون عوامل في الأسماء، وإنما قلنا إن العامل في الفعل المضارع النصب بعد حتى هو (أن) المصدرية مضمرة لنبقيها على حالها الذي ثبت لها بالاتفاق بيننا وبينكم وهي أنها تجر الاسم، وذلك لأن (أن) المصدرية تكون في تأويل مصدر مجرور بحتى.

وبقي مما يتعلق بحتى التي ينتصب الفعل المضارع بعدها شروط انتصابه بعدها، وقد تكفل المؤلف ببيان ذلك، فلا ضرورة لذكر شيء منه.

كما بقي القول على المعنى الذي تدل عليه حتى حينئذ، وقد اتفقت كلمة العلماء على أن (حتى) التي ينتصب بعدها المضارع تأتي بمعنى كي، وذلك إذا كان ما قبلها علة لما بعدها، نحو قولنا (أسلم حتى تدخل الجنة) فإن الإسلام علة لدخول الجنة، كما اتفقت كلمتهم على أن حتى هذه تكون بمعنى إلى، وذلك إذا كان ما بعدها غاية ينتهي إليه ما قبلها، نحو قولك (لأسيرن حتى تطلع الشمس) فإن من يقول ذلك إنما يريد أن سيره ينتهي بطلوع الشمس، وقوله تعالى: {فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ} يحتمل كل واحد من هذين المعنيين، فإنه يجوز أن يكون المراد: قاتلوا الفئة الباغية لكي ترجع إلى أمر اللّه، كما يحتمل أن يكون المراد: استمروا في قتال الباغية ولا تتركوه إلى أن ترجع، وقد زاد ابن مالك في التسهيل معنى ثالثا لحتى هذه، وهو أنها تأتي بمعنى إلا الاستثنائية، وخرج عليه قول الشاعر:

ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتّى تجود وما لديك قليل

كما خرج أتباعه عليه قول امرئ القيس:

واللّه لا يذهب شيخي باطلا ... حتّى أبير مالكا وكاهلا

(١) سورة الحجرات، الآية: ٩