هذا باب كنايات العدد
  وفي انجرار التمييز، إلّا أنّ جرّه بمن ظاهرة لا بالإضافة، قال اللّه تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}(١)، وقد ينصب كقوله:
  [٥٣٠] -
  اطرد اليأس بالرّجا فكأيّ ... آلما حمّ يسره بعد عسر
= المقصودة من الآية الكريمة، ونجدها قد وقعت مبتدأ خبره جار ومجرور كما في قول الشاعر:
وكائن لنا فضلا عليكم ومنّة ... قديما، ولا تدرون ما منّ منعم
ولم نقف على شاهد وقعت فيه مبتدأ وخبره مفرد، أي ليس جملة ولا شبه جملة، ولهذا كانت عبارة الشيخ خالد أدق من عبارة السيوطي.
وقد تقع (كأي) مفعولا به، كقولك (كأي رجلا رأيت) فإن كأي في هذا المثال مفعول به لرأيت، ومنه ما استدل به الذين ذهبوا إلى أن كأين تقع استفهامية، وهو قول أبيّ بن كعب (كأي تقرأ سورة الأحزاب آية) فإن كأي مفعول ثان لتقرأ لتضمنه معنى تعد، وقد تقع محتملة لأن تكون مبتدأ ولأن تكون مفعولا به كما في قوله تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها} فإن كأي في هذه الآية يجوز أن تكون مبتدأ خبره جملة أهلكناها كما يجوز أن تكون مفعولا به لفعل محذوف يفسره المذكور، على طريقة باب الاشتغال، وقد تقع كأي مجرورة بحرف جر، عند ابن قتيبة وابن عصفور - نحو قولهم (بكأي تبيع هذا الثوب) والجمهور على أنها لا تقع مجرورة بحرف جر.
(١) سورة العنكبوت، الآية: ٦٠، وبعد ما تلاه المؤلف {اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ} ويجوز في هذه الآية أن يكون قوله سبحانه: {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} خبرا عن (كأي) الواقع مبتدأ، و (من آية) هو تمييز كأي، ويجوز أن تكون جملة (لا تحمل رزقها) صفة لدابة، ويكون الخبر هو جملة (اللّه يرزقها) وعلى الاحتمال الأول يكون خبر كأي جملة فعلية نظير قوله سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} وعلى الاحتمال الثاني يكون خبر كأي جملة اسمية، والأول أكثر من الثاني.
[٥٣٠] - هذا بيت من الخفيف، ولم أجد أحدا نسب هذا الشاهد إلى قائل معين.
اللغة: (اطرد) أراد منه هنا معنى أزل وأبعد ونح عن نفسك (اليأس) قطع الطماعية في نيل الشيء والقنوط من أن تحصل عليه وبعد الأمل فيه (بالرجا) هو ترقب الشيء وتوقعه وانتظار حصوله (كأي) معناه هنا كثير (آلما) اسم الفاعل من قولهم (ألم فلان من كذا يألم ألما) من باب تعب يتعب تعبا - وهو أحد الأفعال التي جاءت من باب تعب =