هذا باب الحكاية
  فتقول: (أيّان) أو (أيّان يا هذا) والحكاية في (من) خاصة بالوقف، تقول: (منان) بالوقف والإسكان. وإن وصلت قلت: (من يا هذا) وبطلت الحكاية، فأمّا قوله:
  [٥٣١] -
  أتوا ناري فقلت: منون أنتم؟
[٥٣١] - هذا الشاهد من كلام شمير - بالشين المعجمة، وقيل: بالمهملة - ابن الحارث الضبي، وهو من شواهد سيبويه (ج ١ ص ٤٠٢) ولم ينسبه، ولا نسبه الأعلم الشنتمري في شرح شواهده، وقد ذكره أبو زيد في نوادره (ص ١٢٥) ضمن أربعة أبيات، والذي ذكره المؤلف صدر بيت من الوافر كما ورد في كتاب سيبويه، وقد روى عجزه هكذا:
فقالوا: الجنّ! قلت: عموا ظلاما!
وقد رواه أبو زيد - بهذه القافية - هكذا:
أتوا ناري، فقلت: منون؟ قالوا: ... سراة الجنّ! قلت: عموا ظلاما!
وتروى قافيته (عموا صباحا) في أبيات تنسب إلى خديج بن سنان الغساني.
اللغة: (أتوا) أراد حضروا وجاؤوا (ناري) أراد النار التي أوقدها لترشيد السائرين إليه، وكان من عادتهم أن يوقد كرماؤهم النار على مرتفع من الأرض إذا كانوا في قحط أو مجاعة ليراها السائر في الليل فيقصدها، ويروى عن حاتم الطائي أنه قال:
أوقد فإنّ اللّيل ليل قرّ ... والرّيح يا موقد ريح صرّ
عسى يرى نارك من يمرّ ... إن جلبت ضيفا فأنت حرّ
وقال الشاعر:
له نار تشبّ على يفاع ... إذا النّيران ألبست القناعا
(منون أنتم) أراد من أنتم (الجن) ضرب من الخليقة خلاف الإنس، سموا بذلك لأنهم يستترون عن أعين الناس، وأصل الاجتنان الاستتار، ومنه سموا (الجنين) لكونه مستترا في بطن أمه، وقالوا (الجنة) للبستان لكون ما فيه من الشجر الكثيف يستر من يدخله (عموا ظلاما) إحدى تحايا العرب، يقولون: عم صباحا، وعم مساء، وعم ظلاما، وارجع في اشتقاقها وبيان أصلها إلى شرح الشاهد رقم ٤٩ الذي مضى في باب الموصول.
الإعراب: (أتوا) فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين، وواو الجماعة فاعله مبني على السكون في محل رفع (ناري) نار:
مفعول به لأتوا منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال =