[عمل هذه الأفعال، وشرطه]
  وقولهم: «عسى الغوير أبؤسا(١)».
  وأما: {فَطَفِقَ مَسْحاً}(٢)، فالخبر محذوف، أي: يمسح مسحا.
  وشرط الجملة: أن تكون فعليّة، وشذّ مجيء الاسمية بعد «جعل» في قوله:
= تقديره هي، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب حال.
الشاهد فيه: قوله «وما كدت آئبا» حيث أعمل «كاد» عمل «كان» فرفع بها الاسم ونصب الخبر، ولكنه أتى بخبرها اسما مفردا، والاستعمال جار على أن يكون خبره جملة فعلية فعلها مضارع، ولهذا أنكر بعض النحاة هذه الرواية وزعم أن الرواية الصحيحة هي «وما كنت آئبا».
(١) هذا مثل تقوله العرب، وأصله أنه كان قوم في غار، فانهار عليهم، فماتوا جميعا، فضربوه مثلا لكل ما يخشى منه الشر، ثم تمثلت به الزباء ملكة الجزيرة، والغوير:
تصغير الغار، والأبؤس: جمع بأس أو بؤس. وقد خرجه سيبويه وأبو علي أن «أبؤسا» خبر عسى، وذكرا أن ذلك يجري مجرى الضرورة ومراجعة الأصول المهجورة. وجعل ابن الأعرابي «أبؤسا» منصوبا بفعل محذوف وقدره: عسى الغوير يصير أبؤسا. وقدره الكوفيون: عسى الغوير أن يكون أبؤسا، ولا فرق بين تقدير ابن الأعرابي وتقدير الكوفيين إلّا في ذكر «أن» المصدرية التي يغلب اقتران الفعل المضارع الواقع خبرا لعسى بها، وهو حسن بالنظر إلى تحقيق ما هو الأصل وذهب قوم إلى أن «أبؤسا» مفعول به لفعل محذوف، وقدروه «يأتي بأبؤس» ولو قدروه «يأتي أبؤسا» لقلت المحذوفات، ولعلهم غفلوا عن أن «أتى» يتعدى إلى المفعول به بنفسه، وقال ابن هشام بعد حكاية هذه الأقوال: «وأحسن من ذلك كله أن يقدر: عسى الغوير يبأس أبؤسا، فيكون مفعولا مطلقا، ويكون مثل قوله تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحاً} أي يمسح مسحا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه» اه.
وقد تلخص لك من هذا الكلام أن العلماء خرجوا هذا المثل خمس تخريجات، فقيل:
خبر عسى، وقيل: خبر يكون محذوفة، وقيل: خبر يصير محذوفة، وقيل: مفعول به لفعل محذوف، وقيل: مفعول مطلق عامله محذوف.
(٢) سورة ص، الآية: ٣٣