هذا باب الأحرف الثمانية الداخلة على المبتدأ والخبر
هذا باب الأحرف الثّمانية الداخلة على المبتدأ والخبر(١)
(١) إن قلت: إن وأخواتها من الحروف التي تختص بالدخول على الأسماء، وقد قررتم غير مرة أن الحرف المختص يعمل العمل الذي يخص ما اختص الحرف به، وعلى هذا كان يجب أن تعمل إن وأخواتها الجر، لأن العمل الذي يخص الاسم هو الجر، فما وجه خروج هذه الأحرف عما هو الأصل الثابت المتقرر؟.
فالجواب عن هذا أن الأصل هو ما ذكرت، إلّا أن يعرض عارض يقتضي الخروج عنه، وههنا قد عرض عارض هو مشابهة هذه الأحرف للفعل، فاقتضى هذا الأمر الذي عرض لها أن تعمل عمل الفعل.
فإن قلت: فما وجه مشابهة هذه الأحرف للفعل؟
قلت: قد أشبهت هذه الأحرف الفعل شبها قويا في اللفظ وفي المعنى جميعا، وذلك من خمسة أوجه، أولها أنها كلها على ثلاثة أحرف هجائية أو أكثر، فإن وأن وليت على ثلاثة أحرف، ولعل وكأن على أربعة، ولكن على خمسة، والثاني أنها تختص بالأسماء كما أن الفعل يختص بالأسماء ولا محيد له عنها، والثالث أنها كلها مبنية على الفتح كما أن الفعل الماضي مبني على الفتح، والرابع أنها تلحقها نون الوقاية عند اتصالها بياء المتكلم، تقول: إنني، وأنني، وليتني، ولعلني، وكأنني، وقد علمنا أن الفعل تلحقه لزوما نون الوقاية إذا اتصلت به ياء المتكلم، والخامس أنها تدل على معنى الفعل فإن وأن يدلان على معنى أكدت، وكأن يدل على معنى شبهت، وليت يدل على معنى تمنيت، ولعل يدل على معنى رجوت، فلما كان الأمر فيهن على هذا الوجه عملت عمل الأفعال، فنصبت الاسم، ورفعت الخبر.
فإن قلت: فإن هذا الكلام كان يقتضي أن يكون الأول من الاسمين مرفوعا والثاني منصوبا كما كان ذلك مع الفعل، فلماذا عكس الأمر فكان الأول وهو اسمها منصوبا وكان الثاني وهو خبرها مرفوعا.
فالجواب أنه لما قوي شبهها بالفعل، ولم تكن أفعالا في الحقيقة، خافوا إذا هم جاؤوا بمعموليها فقدموا المرفوع وأخروا المنصوب، والتزموا ذلك التزاما لم يخالفوه، خافوا أن يتبادر إلى الذهن أنها ليست حروفا وأنها أفعال، فعكسوا ترتيب المعمولين، ليدلوا بذلك على حقيقة أمرها.
فإن قلت: فإن عدم تصرفها تصرف الأفعال قد كان يكفي في الفرق بينها وبين الأفعال. =