هذا باب الأفعال الداخلة بعد استيفاء فاعلها على المبتدأ والخبر، فتنصبهما مفعولين
بيان الاستشهاد بحث طريف فيه «تقول» فعل مضارع بمعنى تظن، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت «الدار» مفعول به أول لتقول، منصوب بالفتحة الظاهرة «تجمعنا» تجمع: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الدار، ونا: مفعول به، والجملة من الفعل المضارع وفاعله ومفعوله في محل نصب مفعول ثان لتقول.
الشاهد فيه: قوله «تقول الدار تجمعنا» حيث استعمل تقول بمعنى تظن، ونصب به مفعولين: أحدهما قوله «الدار» والثاني جملة «تجمعنا» ولم يقصد به الحكاية؛ لأنه لو قصد الحكاية لرفع «الدار» بالابتداء، وكانت جملة «تجمعنا» في محل رفع خبر.
وكانت جملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول، لكنه لما نصب «الدار» علمنا أنه أراد من تقول معنى تظن فنصب به.
و «تقول» في هذا البيت ليست للزمان الحاضر، ولكنها للزمان المستقبل، وإن كانت بمعنى تظن، فدل ذلك أنه لا يشترط في استعمال تقول بمعنى تظن أن يكون زمانه الحال، قال أبو حيان: «وفيه رد على من اشترط الحال؛ لأنه لم يستفهمه عن ظنه في الحال أن الدار تجمعه وأحبابه، بل استفهمه عن وقوع ظنه، لا عن ظنه في الحال» اه كلامه، وقال اللقاني: «متى ظرف لتقول، فهي استفهام عن حاصل» اه.
قال أبو رجاء غفر اللّه له ولوالديه: جرى الشيخان أبو حيان واللقاني على أن «متى» ظرف زمان متعلق بتقول، وبنيا الرد على هذا، والذي صح عندنا من أقوال العلماء أن ما ذهب إليه ابن مالك من اشتراط كون تقول بمعنى تظن للزمان الحاضر هو المستقيم، ولا دليل لمن خالفه في هذا البيت من وجهين:
الأول: أنا لا نسلم أن «متى» ظرف متعلق بقوله تقول، بل هو متعلق بقوله تجمعنا، والمستبعد هو الجمع بينه وبين أحبته، وليس المستبعد ظن الجمع بينه وبينهم، فالمعنى أتظن أن الدار تجمعنا فيما يستقبل من الأزمنة، وليس المراد في أي وقت تظن أن الدار تجمعنا، ووقوع «تقول» بعد الاستفهام لا يستلزم أن يكون هو المستفهم عنه.
الوجه الثاني: سلمنا أن «متى» متعلق بتقول، ولكنا لا نسلم أنه إذا تعلق متى بتقول كان ذلك مستلزما أن يكون تقول للمستقبل لا للحاضر، إذ يجوز أن يكون متى متعلقا بتقول وهو مع ذلك للحاضر، وبيان ذلك أن القول بمعنى الظن مما يخفى على غير من قام هو به حصوله ووقته، فيمكن أن يقع الاستفهام عن حصوله أو عن وقته، ويجاب بما يحدد الزمن الذي يحصل فيه أو ببيان أنه حاصل الآن فعلا، ألست تقول: متى يحصل عندك ظن أنني ملاق أحبتي! فتجاب أن الظن حاصل فعلا! وفي هذا القدر كفاية.