[الفعل ثلاثة أنواع]
هذا باب التّعدّي واللّزوم
[الفعل ثلاثة أنواع]
الفعل ثلاثة أنواع(١):
(١) فإن قلت: فإني أجد في اللغة أفعالا تتعدى أحيانا بنفسها وتتعدى أحيانا بحرف الجر، وهذا النوع لا يصدق عليه حد الفعل المتعدي، ولا حد الفعل اللازم، وذلك نحو «نصحت» و «شكرت» فإنهم يقولون: نصحته، وشكرته، فينصبون به هاء غير المصدر، فيكون الفعل في هذه الصورة متعديا، ويقولون «نصحت له، وشكرت له» فيعدونه بحرف الجر، فهل أجعل هذه الأفعال من الفعل المتعدي نظرا إلى الصورة الأولى، أو أجعله من الفعل اللازم نظرا إلى الصورة الثانية، أو أتوقف في أمره فلا أجعله من المتعدي ولا أجعله من اللازم نظرا لوجود الصورتين فيه؟.
فالجواب عن ذلك أن نقول لك: اعلم أولا أن المتصور في هذه الأفعال وأمثالها أن يكون تعديها بنفسها لغة قبيلة من قبائل العرب، وتعديها بحرف الجر لغة قبيلة أخرى، فهي بالنظر إلى كل قبيلة على حدتها داخلة في أحد القسمين المتعدي واللازم، ولكن نقلة اللغة لم يميزوا في نقلهم لغات القبائل بعضها عن بعض، بل جمعوا لنا الاستعمالين على أنهما من كلام العرب، ونحن في كلامنا لا نتكلم بلغة قبيلة معينة، لأننا لا نستطيع معرفة ذلك لو أردناه، وإنما نتكلم بما تكلم به فصحاء القبائل العربية، ولو كانت الألفاظ التي نتكلم بها خليطا من ألفاظ استعملها قبائل شتى، وليس في ذلك ما ينكر ما دمنا لا نخرج عما تكلم به العرب.
وبعد، فإن للنحاة في هذا الموضوع ثلاثة آراء:
الرأي الأول: أن هذا النوع قسم مستقل قائم بذاته، فليس هو من قبيل المتعدي، وليس هو من قبيل اللازم، وأصحاب هذا الرأي نظروا إلى الاستعمالين جميعا كما نظرت أنت إليهما فلم يجرؤوا على التمييز بين استعمال واستعمال آخر، لأن كل واحد من الاستعمالين منقول عن العرب الذين يجب على المتكلم بلغتهم أن يأتسي بهم.
والرأي الثاني: أن ننظر إلى الاستعمال الذي يعدي هذه الأفعال بحرف الجر فنجعله هو الأصل، ثم نجعل ما نتصوره متعديا بنفسه منقولا عن اللازم بحذف حرف الجر وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا، وهو ما يسميه علماء العربية «الحذف والإيصال» واختار هذا الرأي ابن عصفور، وسيذكر المؤلف أمثلة هذه الأفعال فيما بعد، على اعتبار هذا الرأي.