هذا باب التنازع في العمل
= وعلى إعمال الثاني في اللفظ والإضمار في الأول «أتوك أتاك اللاحقون» فلما لم يقل إحدى العبارتين علمنا أنه لم يوجه العاملين جميعا إلى المعمول وإنما وجه الأول وحده وأتى بالثاني توكيدا للفظ الأول.
ويخرج بهذا الشرط أيضا نحو قول امرئ القيس:
ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني، ولم اطلب، قليل من المال
العاملان هما كفاني ولم أطلب، والمعمول هو «قليل من المال» ولا يصح أن يكونا موجهين إلى ذلك المعمول، إذ لو توجها جميعا إليه لصار حاصل المعنى «كفاني قليل من المال ولم أطلب قليلا من المال»، وهذا كلام غير مستقيم وبخاصة وهو يقول بعد هذا البيت:
ولكنما أسعى لمجد مؤثّل ... وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي
ولصحة المعنى يلزم أن يكون «كفى» وحده هو الموجه إلى «قليل من المال» ويكون لقوله «ولم أطلب» معمول محذوف يرشد إليه مجموع الكلام، والتقدير على ذلك: لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك، وهذا معنى مستقيم تام الاستقامة لا يعارض بعضه بعضا ولا يعارض ما بعده من كلامه.
هذه هي الشروط العامة التي يشترطها جمهور النحاة في كل عاملين في باب التنازع ولبعض النحاة شروط عامة أخرى أعرضنا صفحا عن ذكرها لئلا نطيل عليك.
ثم اعلم ثانيا أن العاملين إما أن يكونا فعلين نحو قوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} وإما أن يكونا وصفين إما اسمي فاعلين نحو قول الشاعر:
عهدت مغيثا مغنيا من أجرته ... فلم أتّخذ إلّا فناءك موئلا
وإما اسمي مفعولين نحو قول كثير عزة، ونازع فيه ابن مالك كما سيأتي في كلام المؤلف.
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها
وإما أن يكون العاملان مصدرين نحو قولك «عجبت من حبك وتقديرك زيدا».
وإما أن يكونا اسمي تفضيل نحو قولك «زيد أضبط الناس وأجمعهم للعلم».
وإما أن يكونا صفتين مشبهتين نحو «زيد جميل ونظيف ظاهره».
وقد يكونان مختلفين أحدهما فعل والآخر اسم فعل نحو قوله تعالى: {هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ} أو أحدهما فعل والآخر مصدر نحو قول الشاعر: =