[ما لا يقع التنازع بينها من العوامل، والسر في ذلك]
[ما لا يقع التنازع بينها من العوامل، والسر في ذلك]
  وقد علم مما ذكرته أن التنازع لا يقع بين حرفين، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامدين، ولا بين جامد وغيره(١)، وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب، نحو:
= المفعول له ولا في الحال ولا في التمييز، ويجوز في المفعول معه، تقول: «قمت وسرت وزيدا» على أنك أعملت العامل الثاني، فإن أعملت الأول قلت: «قمت وسرت وإياه وزيدا».
الأمر الثاني: أنه إذا تنازع أكثر من عاملين أعملت الأخير منها كما في الحديث، فقد أعمل تحمدون في لفظ المعمولين، وأعمل العامل الأول والعامل الثاني في ضميريهما وحذف الضميرين لكونهما فضلتين، ولو أعمل الأول لأعمل الثاني والثالث في ضميريهما ولم يحذف الضميرين فكان يقول «تسبحون، وتحمدون اللّه فيه إياه، وتكبرون اللّه فيه إياه» ولو أعمل الثاني لأعمل الأول في ضميريهما ثم حذف منه الضميرين لكونهما فضلة، وكان يعمل الثالث في الضميرين ولم يحذفهما فكان يقول «تسبحون وتحمدون، وتكبرون اللّه فيه إياه» فلما لم يقل إحدى العبارتين استدللنا على أنه أعمل الثالث كما قلنا أولا.
وهل يجوز في تنازع أكثر من عاملين إعمال الأول والثاني والثالث أو يتعين إعمال الثالث؟ والجواب عن ذلك أن ابن خروف زعم أنه استقرأ كلام العرب فوجدهم يعملون الأخير ويلغون ما عداه، ووافقه ابن مالك على هذه الدعوى، ولكن أثبات الرواة ردوا ذلك وقالوا: إنهم عثروا على ما يدل على أن العرب تعمل أول العوامل وتضمر فيما عداه، من ذلك قول أبي الأسود الدؤلي:
كساك ولم تستكسه فاشكرن له ... أخ لك يعطيك الجزيل ونائله
فهنا ثلاثة عوامل - وهي: كساك، ولم تستكس، واشكرن - وقد أعمل أولها فرفع الأخ به، وأضمر في الثاني والثالث، وأظهر هذا الضمير لأنه لا يترتب على إظهاره محظور على ما هو قاعدة الباب.
(١) السر في أن التنازع لا يكون بين جامدين ولا بين جامد وغيره هو أن أساس هذا الباب أن يفصل بين العامل ومعموله؛ لأن العامل الأول مفصول من المعمول الملفوظ به بالعامل الثاني، والعامل الجامد ضعيف فلا يقوى على العمل وهو مفصول من معموله، ولهذا يجب عند من أجاز تنازع الجامدين أن يعمل العمل الثاني في لفظ المعمول لأنه هو المتصل به، ولكنهم بهذا ضيعوا أساس الباب، وهو أن يكون العاملان بحيث لو سلط أحدهما لا بعينه على المعمول لعمل فيه - فخرج المثال عن أن يكون من باب التنازع.