أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب المستثنى

صفحة 252 - الجزء 2

  وموضعهما نصب، فقيل: هو نصب عن تمام الكلام، وقيل: لأنهما متعلقان بالفعل المذكور⁣(⁣١).


= والثالث: وقوع الاستثناء في أول الكلام، وتأخر أركان الجملة التي يستثنى من شيء فيها، ألا ترى أنه قدم (خلا اللّه) وهو الاستثناء - على (لا أرجو سواك) وهو أصل الكلام الذي يستثنى منه، وهذا غير تقديم المستثنى على المستثنى منه وحده، وقد ذكرنا لك في صور تقديم المستثنى (ص ٢٣٤) أن هذه الصورة قد اختلف الكوفيون والبصريون في جوازها، فذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم حرف الاستثناء أول الكلام نحو قولك: (إلا طعامك ما أكل زيد) ونحو (إلا زيدا ما حضر القوم) ونحو (إلا زيدا أكرمت القوم) وأنهم استدلوا على ذلك بالسماع كما في هذا البيت الشاهد، وبالقياس على تقديم المستثنى على المستثنى منه في نحو (ما لي إلا مذهب الحق مذهب) ونحو (أكرمت إلا زيدا القوم) وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يقع الاستثناء في أول الكلام بحيث يتقدم على المستثنى منه وعلى العامل فيه جميعا، واستدلوا على ذلك بضروب من القياس والتعليل، وزعموا أن ما تمسك به الكوفيون من الشواهد مؤول أو شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، ثم ارجع إلى هذا البحث فيما سلف أول هذا الباب (ص ٢٣٤ وما بعدها).

(١) حاصل هذا الكلام أن النحاة اتفقوا على أن محل (عدا) ومجرورها نصب ومحل (خلا) ومجرورها نصب أيضا، واختلفوا في عامل النصب فيهما، فقال قوم: العامل في محلهما النصب هو الجملة التي تسبقهما، حقيقة أو تقديرا، سواء أكانت الجملة فعلية نحو قولك: (حضر القوم عدا زيد، وخلا زيد) أم كانت الجملة اسمية نحو قولك:

(القوم إخوتك عدا زيد، وخلا زيد).

فإن قلت: فكيف تكون الجملة عاملة؟.

فالجواب عن ذلك أن نقول لك: لقد سمعت في أول باب الاستثناء أن من النحاة من قال: إن ناصب المستثنى بعد إلا هو تمام الكلام، وستسمع مثل ذلك في باب التمييز عند القول على ناصب تمييز النسبة: إنه انتصب عن تمام الكلام، فمعنى قولهم:

(منصوب عن تمام الكلام) أن الناصب له هو الجملة المتقدمة عليه.

والقول الثاني: أن الناصب له هو الفعل المتقدم في نحو قولك: (حضر القوم عدا زيد، وخلا زيد) فيكون الجار والمجرور في محل نصب بذلك الفعل المتقدم، أي أنهما في موضع المفعول به، كما تقول ذلك في قولك: (مررت بزيد) لما كان الفعل لا يتعدى =