[فصل: أصل صاحب الحال أن يكون معرفة، ويأتي نكرة بمسوغ]
  ويقع نكرة بمسوّغ(١)، كأن يتقدّم عليه الحال، نحو: «في الدّار جالسا رجل»، وقوله:
  [٢٦٩] -
  لميّة موحشا طلل
= مماثلة لصاحبها فكانا معرفتين أو كانا نكرتين لتوهم السامع أنهما نعت ومنعوت؛ فالتزموا التخالف بينهما، لينتفي عن ذهن السامع من أول وهلة كونهما صفة وموصوفا، وإنما ينتفي هذا الوهم لأن الصفة والموصوف يجب اتفاقهما تعريفا وتنكيرا، وكان صاحبها هو المعرفة؛ لأنه كما سمعت محكوم عليه، وكانت هي النكرة لكونها حكما، ولهذا تجد المسوغات التي يذكرها النحاة لمجيء صاحب الحال نكرة المدار فيها على أن تنفي عن السامع توهم كون الحال صفة، انظر مثلا إلى تقدم الحال على صاحبها النكرة فإن السر في هذا هو أن النعت لكونه تابعا لا يجوز أن يتقدم على المنعوت، فإذا تقدم ما قد يظن نعتا زال بتقدمه هذا التوهم لهذا السبب، وهكذا.
والذي أريد أن أنبهك إليه هو أن النكرة أشد احتياجا إلى النعت منها إلى الحال ذلك لأن النعت يخصص النكرة ويبينها نوع بيان، فإذا قلت (لقيت رجلا شجاعا) تبادر إلى ذهن سامعك أن (شجاعا) نعت، فإن كنت بنيت كلامك على أنه حال فقد أوقعت السامع في لبس، وإنه محظور.
فإن قلت: فأي فرق بين أن يعتبر السامع (شجاعا) نعتا وأن يعتبره حالا، وأنتم تقولون إن الحال وصف لصاحبها؟
قلت: إن بينهما لفرقا عظيما مع هذا الذي نقوله، ذلك لأن الحال وصف لصاحبها وقيد في عاملها؛ فمعنى المثال على أن تعتبر شجاعا نعتا أن الشجاعة وصف لرجل في وقت اللقاء وفي غيره، ومعنى هذا المثال على أن تعتبر شجاعا حالا أن الشجاعة وصف له في وقت اللقاء دون غيره، وشتان ما بين هذين المعنيين.
(١) من المسوغات: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو، وذلك لأن وجود الواو في صدر جملة الحال يمنع توهم الجملة صفة، لأن النعت لا يفصل بينه وبين منعوته بالواو، نحو قوله تعالى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها}، وقول الشاعر:
مضى زمن والنّاس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع
وقيل: إن مجيء الحال من النكرة غير الموصوف موقوف على السماع، لا يجاوزه لا فيما ذكر من المسوغات ولا في غيره.
[٢٦٩] - يحتمل أن يكون هذا الشاهد نصف بيت من مجزوء الوافر، ويحتمل أنه قطعة من بيت =