[الباب الثالث: باب جمع المذكر السالم]
  يعربه إعراب ما لا ينصرف، ورووا بالأوجه الثّلاثة قوله:
  [١٨] -
  تنوّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي
[١٨] - هذا بيت من الطويل، وهو من قصيدة طويلة لامرئ القيس بن حجر الكندي، ومطلعها قوله:
ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وقبل البيت المستشهد به قوله:
ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي
لطيفة طيّ الكشح غير مفاضة ... إذا انفتلت مرتجّة غير متفال
إذا ما استحمّت كان فيض حميمها ... على متنتيها كالجمان لدى الجالي
تنورتها ... البيت، وبعده قوله:
نظرت إليها والنّجوم كأنها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال
اللغة: «ومثلك» الواو واو رب: أي كثير من النساء المماثلات لك «بيضاء العوارض» جمع عارض، وهو صفحة الوجه، ولها عارضان، ولكن المثنى قد يجيء بصورة الجمع، أو يكون قد قصد أجزاء العارضين فجمع لذلك «طفلة» بفتح الطاء وسكون الفاء - هي الرخصة اللينة الناعمة «سربالي» السربال - بزنة القرطاس - الثياب «الكشح» الخصر، يريد أنها دقيقة الخصر «غير مفاضة» ليست مسترخية البطن «مرتجة» يهتز جسمها لعبالتها «غير متفال» ليست كريهة الريح «استحمت» صبت الماء الحار عليها «حميمها» الحميم: الماء الحار «متنتيها» أراد جانبي ظهرها «كالجمان» الجمان - بضم الجيم، بزنة غراب - الفضة البيضاء «الجالي» الصيرف، يريد أن الماء يبقى أبيض كالفضة، وذلك يحتمل معنيين، أحدهما أن الماء يأخذ لون جسمها، وجسمها أبيض ناصع، وثانيهما أن يريد أن الماء لا يتغير بعد أن يمر على جسمها، لأن جسمها نظيف لا تفل عليه «تنورتها» نظرت إلى نارها من بعيد «أذرعات» بلد في أطراف الشام يجاور البلقاء، والنسبة إليها أذرعيّ «يثرب» المدينة التي شرفت فيما بعد بهجرة الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه «أدنى دارها» أقرب مكان من أماكن ديارها «نظر عال» أراد أنه يحتاج إلى نظر بعيد.
المعنى: أراد أنه نظر إلى نار المحبوبة التي يشبها أهلها للقرى، مثلا، وهو بأذرعات وهم بالمدينة، وفي هذا البيت - على ظاهره - ضرب من المبالغة يختص باسم الإغراق. وذلك أن المبالغة إن كان المدعى فيها غير ممكن عقلا سميت غلوا. وإن =