أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب الحال

صفحة 296 - الجزء 2

  وقد تأتي على الترتيب إن أمن اللّبس⁣(⁣١)، كقوله:


= ظهورها التعذر، وهي مضاف وضمير الغائبة العائد إلى سعاد مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، ويجوز أن يكون (هواها) فاعلا بعاد، إذا اعتبرتها تامة، وعليه يكون قوله (سلوانا) حالا من هذا الفاعل.

الشاهد فيه: قوله (ذات هوى معنى) فإنهما حالان، ولكل حال منهما صاحب غير صاحب الحال الأخرى، فأما قوله (ذات هوى) فصاحبه قوله (سعاد) وأما قوله (معنى) فصاحبه تاء المتكلم في قوله (عهدت) وقد جاء بالحالين على عكس ترتيب صاحبيهما كما ترى، وهذا هو الأكثر في مثل ذلك - أي إذا لم نأت بكل حال إلى جوار صاحبها - ليكون قد اتصل أحد الحالين بصاحبه، بخلاف ما لو أتى بهما على ترتيب صاحبيهما؛ فإنه يلزم عليه الفصل بين كل حال وصاحبها بأجنبي.

(١) المفهوم من هذا الكلام أن النحاة متفقون على أنه إذا تعدد الحال وتعدد صاحبها ولم تأت بكل حال منهما بجنب صاحبها، بل أخرت الحالين فإنك تجعل أول الحالين لثاني الصاحبين وثاني الحالين لأول الصاحبين، ولا تجعل أول الحالين لأول الصاحبين وثانيهما لثانيهما إلا حين تقوم قرينة ترشد السامع إلى رد كل حال إلى صاحبه، وفي علم البديع نوع يسمى اللف والنشر، وهو: أن تذكر متعددا ثم تذكر ما لكل واحد منهما - وقد ذكر علماء البلاغة أن جعل الأول للأول وجعل الثاني للثاني أحسن من جعل الأول للثاني وجعل الثاني للأول، ومن أمثلة ذلك عندهم قوله تعالى: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} فقوله سبحانه:

{لِتَسْكُنُوا فِيهِ} هو أول الأمور المنشورة وهو راجع إلى الليل الذي هو أول الأمور الملفوفة، وقوله سبحانه: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} هو ثاني الأمور المنشورة وهو راجع لثاني الأمور الملفوفة وهو النهار، فلعلك تسأل لماذا اختلف نظر النحاة ونظر علماء البلاغة في تفضيل رد الأول والثاني من الرديفين على هذا الوجه؟

والجواب عن هذا أن نقول لك: إن النحاة يفضلون رد أول الحالين لثاني الصاحبين عند انعدام القرينة التي ترد كل حال إلى صاحبها، لأن هذا يقلل الفصل بين الحال وصاحبها بأجنبي فإنه يترتب عليه أن يفصل بين حال واحد وصاحبه، فأما الوجه الآخر فيترتب عليه الفصل بين حالين وصاحبيهما، ولا شك أن فصلا واحدا أخف من فصلين، فأما إذا قامت قرينة تعين على رد كل حال إلى صاحبها فأنت بالخيار بين أن تجعل الحالين على ترتيب الصاحبين أو على عكس ترتيبهما، وهذا هو ما رآه علماء البلاغة في اللف والنشر، فاستوى نظر النحويين مع نظرهم.