أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب التعجب

صفحة 229 - الجزء 3


= واختلف هؤلاء في مرجع الضمير المستتر وجوبا في أفعل على أنه فاعل، فذهب ابن كيسان - وهو من نحاة الكوفة - إلى أن الضمير يعود إلى مصدر الفعل، وكأن الذي يقول: (أحسن بزيد) قد قال: أحسن يا أيها الحسن بزيد، ولكون هذا الضمير عائدا على المصدر لم يقع مثنى ولا مجموعا لأن المصدر لا يثنى ولا يجمع، وقال بقية القوم:

الضمير للمخاطب الذي يوجه إليه الكلام لاستدعاء التعجب منه، واعتذروا عن التزام إفراد الضمير مع أن المخاطب قد يكون مؤنثا وقد يكون مثنى أو مجموعا - بأنه كلام جرى مجرى المثل، وقد عرف أن الأمثال لا تغير، وقد استحسن ابن طلحة من هذه الأقوال قول ابن كيسان، ورجح قوم من العلماء مذهب البصريين، ورجح قوم مذهب الكوفيين.

فأما الذين رجحوا مذهب البصريين فمنهم ابن مالك، وقد رجحته بإبطال مذهب الفراء - وهو من نحاة الكوفة - ومن وافقه على أن أفعل في نحو قولك (أحسن بزيد) فعل أمر، وخلاصة ما ذكره ابن مالك وغيره من وجود إبطال هذا المذهب أنه يلزم عليه محظور من خمسة وجوه:

الأول: أنه لو كان فعل أمر حقيقة كما يقولون لوجب فيه ما يجب في جميع أفعال الأمر، من استتار فاعله وجوبا إذا كان مفردا مذكرا وبروزه فيما عدا ذلك، أفلست ترى أنا نقول: اضرب يا زيد، فيكون فاعل اضرب ضميرا مستترا وجوبا لأنه مفرد مذكر، فإذا أمرنا المفردة قلنا اضربي، وإذا أمرنا اثنين قلنا اضربا، وإذا أمرنا جمعا قلنا اضربوا، أو اضربن. فيبرز الضمير في كل هذه الصور، وفعل التعجب هذا لا يبرز معه ضمير أصلا، فلا يكون جاريا على منهج الأمر.

الثاني: أنه لو كان فعل أمر لم يكن المتكلم به متعجبا، بل يكون آمرا غيره بالتعجب كما أن الذي يأمر غيره بالحلف فيقول له احلف لا يكون حالفا، وقد انعقد الإجماع على أن المتكلم بهذا الفعل يكون متعجبا، فلا يكون هذا الفعل فعل أمر لأنه على خلاف مدلول فعل الأمر.

الثالث: أنه لو كان فعل أمر لجاز أن يقع جوابه مقترنا بالفاء كما يجوز ذلك في قولك اصبر فتدرك مرادك، وقد صرحوا بأنه لا يجوز لك أن تقول: أحسن بزيد فيحسن إليك، وأنت تريد بصدد كلامك التعجب.

الرابع: أنه لو كان فعل أمر لما جاز أن يتصل بباء التعدية الواقعة بعده ضمير -