أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[مسألة: متى يجوز حذف المتعجب منه؟]

صفحة 231 - الجزء 3


= تقول (ما أحسن رجلا من الناس).

وبعد فاعلم أن لحذف المتعجب منه في الصيغتين جميعا شرطا يعمهما، وهو: أن يدل عليه دليل، بل هذا شرط عام في كل ما جاز حذفه من مبتدأ أو خبر أو نعت أو منعوت أو غيرهن، ويشترط في حذف المتعجب منه في الصيغة الأولى - زيادة على ذلك - أن يكون ضميرا كما في بيت الشاهد رقم ٣٨٠ والبيت الذي أنشدناه معه، وكما في قول امرئ القيس بن حجر الكندي:

أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدّرا ... بكاء على عمرو، وما كان أصبرا

يريد (وما كان أصبرها) ويشترط في حذف المتعجب منه في الصيغة الثانية - زيادة على الشرط العام - ما ذكره المؤلف من (أن يكون أفعل المكسور العين معطوفا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف).

فإن قلت: أفليس علماء البصرة - وهم الذين تؤيدون مذهبهم دائما أو غالبا - قد ذهبوا إلى أن المتعجب منه - وهو مدخول الباء في الصيغة الثانية - فاعل، فكيف استساغوا حذفه مع قولهم: إن الفاعل لا يجوز حذفه إلا في مسائل محدودة ليس هذا الموضع منها؟.

فالجواب على ذلك أن الذي سهل حذف الفاعل في هذا الباب شيئان:

أولهما: أن الدليل الدال عليه قائم، فهو لم يستغن عنه استغناء كاملا، بل حذف من اللفظ وهو مقصود ملتفت إليه.

وثانيهما: أن وروده على صورة الفضلة ولزوم ذلك فيه مع كون الفعل الذي قبله في صورة ما فاعله مستتر وجوبا لأنه بصورة الأمر، كل ذلك هون من أمره وجوز حذفه.

وهذا الذي قررناه لك موضحا جار على مذهب جمهور النحويين من البصريين، وأما علماء الكوفة فلا يرد عليهم السؤال المذكور لقولهم إن (أفعل) فعل أمر ففاعله عندهم ضمير مستتر وجوبا كما هو الشأن في فعل الأمر.

وذهب أبو علي الفارسي - وهو على مذهب البصريين من أن (أفعل) فعل ماض جاء على صورة الأمر - إلى أن الضمير الذي كان مدخول الباء لم يحذف كما يقول جمهور البصريين، لكن الباء هي التي حذفت، فلما حذفت الباء استتر الضمير في أفعل.

ولم يرتض ابن مالك هذا الذي ذهب إليه أبو علي، ورده بوجهين، أولهما أن من الضمائر ما لا يصح استتاره كما في نحو (أكرم بنا) ونظيره البيت الذي أنشدناه مع =