أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

هذا باب النعت

صفحة 277 - الجزء 3


= كلامهم حتى حذفوا الموصوف وسموا اللبن المخلوط مذقا تسمية بالمصدر «قط» اسم معناه الزمان الماضي أو ما مضى وانقطع من العمر.

الإعراب: «جاؤوا» جاء: فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره، وواو الجماعة فاعله مبني على السكون في محل رفع «بمذق» الباء حرف جر، مذق: مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بجاء «هل» حرف استفهام مبني على السكون لا محل له من الإعراب «رأيت» رأى: فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره، وتاء المخاطب فاعله مبني على الفتح في محل رفع «الذئب» مفعول به لرأى منصوب بالفتحة الظاهرة «قط» ظرف لما مضى من الزمان مبني على الضم في محل نصب برأي، وسكن لأجل الوقف.

الشاهد فيه: قوله: «بمذق هل رأيت الذئب» فإن ظاهره يفيد وقوع الجملة الاستفهامية وهي قوله: «هل رأيت الذئب» نعتا للنكرة التي هي قوله: «مذق» وهذا الظاهر غير مراد، بل جملة الاستفهام مفعول به قد حذف عامله، وهذا العامل المحذوف هو الذي يقع نعتا، وأصل الكلام: جاؤوا بمذق مقول عند رؤيته هل رأيت الذئب.

وقد قدر ابن عمرون النعت المحذوف بقوله: «جاؤوا بمذق مثل الذئب، هل رأيت الذئب قط، وزعم أن هذا أحسن من تقدير القول؛ لأن هذا المقدر ررد مصرحا به في نحو قولهم «مررت برجل مثل الأسد هل رأيت الأسد قط» وفي الحديث «كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم يا رسول اللّه، قال: فإنها مثل شوك السعدان».

فإن قلت: فإني أجد النعت يشارك خبر المبتدأ في كثير من الأحكام، وأجد جمهور النحويين يجيزون وقوع خبر المبتدأ جملة إنشائية ولا يلتزمون تقدير قول يجعلونه هو الخبر والجملة الإنشائية معمولا له، ولم يخالف في ذلك إلا ابن الأنباري، فأما الجملة الواقعة نعتا فإن الجمهور قد اشترطوا فيها أن تكون خبرية، والتزموا - حين تقع في بعض الكلام إنشائية - تقدير قول يجعلونه هو النعت ويجعلون الجملة الإنشائية معمولة له. فما وجه هذه التفرقة؟ ولماذا لم يجعلوا النعت كالخبر في هذا الموضوع؟

فالجواب عن ذلك أن نقول لك: إن النحاة لم يغب عن أذهانهم ما ذكرت، ولكنهم رجعوا أولا إلى الاستعمال العربي فوجدوا الخبر يقع جملة إنشائية في كثير من كلامهم، فجملة «نعم، وبئس» تقع خبرا مقدما عن الاسم المخصوص بالمدح أو الذم، -