[فصل: الأشياء التي ينعت بها أربعة:]
[الرابع مما ينعت به المصدر]
  الرابع: المصدر(١)، قالوا (هذا رجل عدل، ورضا، وزور، وفطر) وذلك،
= وجملة التعجب تقع خبرا، وكل من جملتي نعم والتعجب إنشائيتان كما هو معلوم لك، ثم رجعوا - بعد هذا السماع المطرد - إلى السر في وقوع الخبر جملة إنشائية وفي عدم وقوع الحال جملة إنشائية، فوجدوا في طبيعة ما يراد من الخبر وما يراد من النعت ما يؤيد ذلك، وبيان هذا أن المتكلم بجملة من مبتدأ وخبر يريد أن يفيد المتكلم ثبوت شيء كان مجهولا له لشيء معلوم له. أما الشيء الذي كان مجهولا للمخاطب فهو الخبر، وأما الشيء الذي كان متصورا للمخاطب فهو المبتدأ. ومحال في مجاري العادة أن يقصد المتكلم إفادة المخاطب ثبوت شيء معلوم له لشيء معلوم له أيضا، لأنه لا فائدة في ذلك، كما أن محالا في مجرى العادة أن يقصد المتكلم إفادة المخاطب ثبوت شيء مجهول له لشيء مجهول له أيضا، ومن أجل هذا كان مما لا بد منه أن يكون المبتدأ معرفة أو نكرة كالمعرفة، وكان الخبر نكرة أو معرفة كالنكرة، والجمل الإنشائية كالجمل الخبرية في أن كلّا منهما في قوة النكرة، أما المتكلم بالنعت فإنه يريد توضيح المنعوت أو تخصيصه للمخاطب، والتوضيح ومثله التخصيص لا يكون إلا بشيء معروف للمخاطب في ذاته، ضرورة أنه لا يمكن لك أن توضح للمخاطب شيئا مبهما غير معلوم له بشيء مبهم مثله، ولما كانت الجملة الإنشائية من طبيعتها ألا تكون معلومة قبل التكلم بها، إذ إن المراد بها تحصيل شيء غير حاصل، لم تصلح أن تكون نعتا موضحة أو مخصصة، أما الجملة الخبرية فلكونها حديثا عن شيء قد وقع وحدث قبل التكلم بها، فكانت لذلك صالحة أن تكون معلومة، صلحت: لوقوعها نعتا.
(١) أنت تعلم أن المصدر اسم دال على معنى هو الحدث، ولا دلالة له على الذات، فإذا قلت: (هذا رجل عدل) مع بقاء كل من النعت والمنعوت على معناه الأصلي - كنت قد وصفت الذات بالمعنى، وهو لا يجوز، ومن أجل هذا التزم البصريون والكوفيون جميعا للتخلص من هذا الذي لا يجوز تأويل العبارة: إما بجعل اسم المعنى في تأويل المشتق الدال على الذات ومعنى قائم بها أو واقع عليها، وإما بتقدير مضاف يدل على الذات - وهو ذو التي بمعنى صاحب - وإذا علمت هذا فاعلم أن النحاة منعوا النعت بالمصدر رجوعا إلى العلة التي ذكرناها في أول هذا الكلام، فأما الرجوع إلى السماع عن العرب فإنا نجد في كلامهم استعمال المصدر نعتا كثيرا، ولهذا تجد ابن مالك يقول في الألفية: * ونعتوا بمصدر كثيرا * وباستقراء كلام العرب تتبين لنا ظاهرتان: أما =