[فصل: نون الوقاية قبل ياء المتكلم]
[فصل: نون الوقاية قبل ياء المتكلم]
  فصل: مضى أن ياء المتكلم من الضّمائر المشتركة بين محلّي النصب والخفض.
  فإن نصبها فعل أو اسم فعل أو «ليت» وجب قبلها نون الوقاية، فأما الفعل
= مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، وأكرم مضاف و «والد» مضاف إليه.
الشاهد فيه: «أنالهماه» حيث أتى بالضمير الثاني - وهو ضمير المفرد الغائب الذي هو الهاء - متصلا، والأكثر في مثل هذه الحال الانفصال، ولو جاء بالكلام على ما هو الأكثر لقال «أنالهماه إياه» ومع ذلك ليس الاتصال شاذا ولا ضرورة.
وإنما جاز الاتصال والانفصال في الضميرين المتحدي الرتبة إذا كانا ضميري غيبة دون ضميري التكلم والخطاب لصحة تعدد مدلولي ضميري الغيبة، ألا ترى أن مدلول الضمير الأول في هذه العبارة مثنى غائب وهو البسط والبهجة، وأن المدلول الضمير الثاني مفرد غائب وهو الوجه، وليس مدلول أحد الضميرين بمدلول الآخر ولا بعض مدلول الآخر، فأما ضميرا المتكلم مثلا فإنهما - وإن جاز أن يكون لفظ أحدهما غير لفظ الآخر، بأن يكون أحدهما ياء المتكلم والثاني نا - لا يمكن أن يختلف مدلولهما على هذا الوجه من الاختلاف، بل لا بد أن يكون مدلول أحدهما هو عين مدلول الآخر أو بعضه، بأن يعبر المتكلم عن نفسه وحده بالياء ثم يعبر عن نفسه أيضا بنا، أو يعبر عن نفسه بالياء ثم يشرك معه غيره فيعبر بنا، فلما اجتمع في ضميري الغيبة أمران:
اختلاف لفظهما واختلاف مدلولهما، نزل ذلك منزلة اختلاف الضميرين، وجاز فيهما الأمران، وكان الانفصال في ثانيهما أرجح نظرا إلى حقيقة الأمر، ولما لم يمكن أن يجتمع الأمران في ضميري التكلم وضميري الخطاب لم يجز فيهما إلّا وجه واحد وهو الانفصال.
ومثل هذا الشاهد قول مغلس بن لقيط:
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... لضغمهماها يقرع العظم نابها
الاستشهاد بقوله «لضغمهماها» حيث جاء بالضمير الثاني - وهو «ها» - متصلا، ولو جاء منفصلا لقال «لضغمهما إياها».
وجواز الأمرين في ضميري الغيبة هو ما اختاره ابن مالك تبعا لإمام النحاة سيبويه، وقد أوجب الرضي في الثاني منهما الانفصال كما في ضميري التكلم وضميري الخطاب طردا للباب على وتيرة واحدة، وهو غير ما ثبت بالسماع وبالتعليل، فاعرف ذلك وكن منه على بصيرة.