الفصل الثاني الجرح والتعديل
  أبو طالب #: (العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم عنه)، وغير ذلك كثير جم غفير، وأشف ما تمسك به أهل القول الآخر دعوي الإجماع، وكون مدار القبول حصول الظن، ونقول أما دعوى الإجماع فمن الحكايات الفارغة التي لا يعتمد عليها الناظر النقّاد، ولا تنفق عند أرباب البحث والإرتياد، وهي من روايات الآحاد، وإن كان قد نقلها بعض ذوي الإصدار والإيراد، والمسألة أصولية لا يعتمد فيها إلا الدلالة القطعية، وكيف يخفى على نجوم الهداية وشموس الدراية من أقطاب حملة الكتاب، وأما أن المدار الظن فغير مسلم، بل تعبدنا بخبر العدل في ذلك كما أفادته الأدلة القرآنية والأخبار النبوية، مع أنه لو كان المدار الظن للزم قبول أخبار كافر التصريح وفاسقه المتحرجين عن الكذب للأنفة منه والمروءة، فإن منهم من يؤثر بذل النفس على الدخول في نقيصة أو رذيلة وأخبارهما مردودة بالإجماع، ومن أين لهم أن المدار الظن والله تعالى قد نهى عنه وأتباعه، ولم يذكره وأهله إلا بالذم، {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}[يونس: ٣٦]، {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}[الأنعام: ١١٦]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٣}[البقرة: ١٦٩]، ولا موجب للتخصيص، فإن الأدلة القائمة على قبول الأحادي في العمليات من بعث الرسول ÷ لتبليغ الشرعيات لم تدل تصريحاً ولا تلويحاً على اعتماد الظن في ورد ولا صدر، لأنه وإن كان يلزم عنده الظن في الأغلب فليس بمعتبر، واللازم غير الملزوم، كما يعلمه أرباب الذوق والنظر ... إلى أن قال: وأما الدلالة العقلية على قبول المظنون فإنما هو فيما لا يترتب على الأخذ به خطر نحو ما مثّلوا به من الأخبار بالطعام المسموم مما يرجح العقل قبوله ولو كان المخبر صبياً أو كافراً