الفصل الثالث الحديث بين الرواية والدراية
  وهما سلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة، ولم يدرك شذوذ الحديث أو وجود العلة فيه إلا النُقاد الذين جمعوا بين الفقه والحديث، فأما من اقتصر علمهم على الحديث فقط، فلم يدركوا ذلك إلا في الشيء اليسير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد نص على هذا الأمر جماعة من حذاق أهل العلم)(١).
  وقال الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث: (وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واهن، وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن تحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيسير الحديث معلولاً والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لاغير)(٢).
  وقال الحافظ الجوزي: (اعلم أن للأحاديث دقائق وآفات لايعرفها إلا العلماء الفقهاء، تارة في نظمها، وتارة في كشف معناها)(٣).
  وأما بعض المحدثين فقد جمع بين ظلمتين، ظلمة الإسناد وذلك بالرواية عن مجروح أو مغفل، وظلمة المتن بعدم مراعاة الشذوذ والعلة، وهذا مانشاهده في بعض الروايات خاصة التي تحمل في طياتها مناخ التشبيه والتجسيم.
  فلا نغتر بأي حديث رواية إلا بعد عرضه على قواعد الحديث دراية، لكي لانقع في التناقضات والعمل بالمستحيلات.
(١) مقدمة دفع شبه التشبيه الباب الرابع: ٤٦.
(٢) معرفة علوم الحديث: ١١٢.
(٣) دفع شبه التشبيه: ١٤٣.