مجموع بلدان اليمن وقبائلها،

محمد بن أحمد الحجري (المتوفى: 1380 هـ)

الجزء الأول

صفحة 41 - الجزء 1

  فإذا المسألة الأولى قد عادت كما بدأت، وإذا كؤوس الجفون من الدموع قد ملئت، فما أدري أي الليالي أغرب، ولا من أي شيء منها أعجب، هل من المنثورة من عينيه وكلامه، أم من المنظومة التي يجلوها عند ابتسامه، فذكرت عند ذلك قول البحتري، وهذه الرواية صادقة لم أكن لها بالمفتري: -

  ولما التقينا والتقى موعد لنا ... تعجب رائي الدر منّا ولا قطه

  فمن لؤلؤ يجلوه عند ابتسامه ... ومن لؤلؤ عند الحديث يساقطه

  فلما سمع ذلك الراعي الشيطان المريد، قال اسمعوا هذا العقد الفريد، فإنه لا يصلح إلا لمثل هذا الجيد:

  إنّا على ما سرّنا منهم ... وساءنا واللّه نهواهم

  لا نعرف الحق ولا بعضه ... إن نحن في الأعراض لمناهم

  قد ألفوا الأعراض عنّا وما ... كذلك كنّا قد عهدناهم

  حاشاهم أن يجتنى منهم ... حتى التجني المرّ حاشاهم

  عقودهم والزهر والزهر قد ... أضحت سواء وثناياهم

  جلّوا عن المدح فماذا عسى ... نقول فيهم إن مدحناهم

  بالبدر والنجم وشمس الضحى ... نظلمهم إن نحن قسناهم

  نستعمل الايجاز في وصفهم ... فغاية الوصف هم ما هم

  فقال يا عجباه من هذا الراعي البوال على عقبيه فما واللّه كان يخطر ببالي أن ذلك يخرج من بين شفتيه، ولا شك أن المرء بأصغريه ولقد أدركت في بدني خفة، وحصلت بين قلبي وبين السرور إلفة، وطلع لي بدر الأنس بغير كلفة فقلت له: قد جئت بتورية من غير شعور، فإن الكلفة قد عزمت من شأن البدور فتبسم ضاحكا وقال: ما برحت في نهج البلاغة سالكا ولا زمّة الفصاحة مالكا فانظم هذه الظريفة واجعلها في أبيات لتكون على السمع خفيفة فقلت مخترعا ولأمره مستمعا:

  بين قلبي وبين قلبك إلفة ... اشبهت رقة النسيم ولطفه

  من وعاها بسمعه أدركته ... هزّة واعترته في الحال خفة

  ولقد زادت المودة حسنا ... حشمة إن دنا المزار وعفة