موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم،

التهانوي (المتوفى: 1158 هـ)

حرف السين (س)

صفحة 952 - الجزء 1

  أمّا هاهنا فمن الضّروري معرفة الفرق بين السّرقة وتوارد الخواطر كي لا يختلط أحدهما بالآخر. إذن، فليعلم بأنّ توارد الخواطر هو أن يرد في كلام أحد الشعراء مصراع من الشعر أو مضمون كلام شاعر ما في شعر أو كلام شاعر آخر دون أن يكون ذلك قد خطر على بال قائله بأنّه من كلام شاعر آخر، وذلك كما حصل للشاعر أمير خسرو الدّهلوي الذي توارد خاطره مع بيت للشاعر نظامي كنجوي حيث قال:

  ما ترجمته:

  يا من أنت موصوف بإكرام العبد ... فمنك الربوبيّة ومنّا العبوديّة

  بينما قال النظامي الكنجوي ما ترجمته:

  أمران أو عملان بالبهاء والبركة ... الربوبيّة منك ومنّا العبوديّة

  وكذلك وقع مثل هذا في ما نظمه الملّا عبد الرحمن الجامي في منظومته يوسف وزليخا، فقد اتفق له توارد الخاطر مع منظومة شيرين وخسرو لمولانا النظامي الگنجوي، كما في البيت التالي للملا الجامي وترجمته:

  ليت أمّي لم تلدني ... ولو أنّي حين ولدت لم يرضعني أحد

  وقال النظامي ما ترجمته:

  يا ليت أمي لم تلدني ... وليتها إذ ولدتني أطعمتني لكلب

  ومثال آخر من أقوال الملّا جامي وترجمته:

  لقد خلقت المرأة من الجانب الأيسر ... ولم ير أحد الصدق والاستقامة من اليسار

  بينما يقول النظامي ما ترجمته:

  يقولون إنّ المرأة من الجانب الأيسر برزت ... ولا يأتي أبدا من اليسار الاستقامة

  ومن هنا يزعم بعضهم أنّ مولانا الجامي وأمير خسرو الدهلوي قد أغارا على منزل النظامي الگنجوي ونهبوا ما فيه.

  والحق أنّه قلما توجد قصة في كتبهما أو بعض أبيات يمكن اعتبارها بشيء من التصحيف أو التغيير من كلام الخواجة نظامي الذي كانت آثاره نصب عين كلّ واحد منهما. فلا عجب إذن أن تتفاعل تلك الآثار في حافظة كلّ منهما. ثم عندما يكتبون شيئا بدون تعمّد أو قصد تفيض من قرائحهما. وعليه فلا يكون مثل هذا التوارد مذموما.

  كما يمكن أيضا أن تكون ثمّة توأمة فكرية لدى هذين الأستاذين، أو ثمّة علاقة روحيّة بينهما. كما أنّه ليس عجيبا أن يكون هذان العلمان الكبيران سواء المتقدّم أو المتأخّر متصلين اتصالا قويّا باللّه الذي يفيض عليهما من لدنه؛ فإذن العلوم القديمة سواء بمعانيهما ومضامينهما أو بألفاظهما على سبيل الإلهام وردت على قلوبهم، كما هو حال أكثر الأولياء في عالم الرؤيا، حيث يتلقّون شيئا واحدا ذا مضمون واحد. فلما ذا إذن يكون التعجّب من حدوث ذلك في حال اليقظة. وبناء على هذا يكون من سوء الأدب نسبة هؤلاء الأكابر إلى السّرقة، وهو غلط محض، لأنّ السّرقة هي أن يورد الشاعر كلام غيره عن سابق علم وتصميم في ما ينظمه بزيادة أو نقصان أو تبديل في الوزن أو بتبديل بعض الألفاظ. هكذا في مخزن الفوائد.

  ومن هذا القبيل ما ورد أنّ بعض الصحابة خاصة سيدنا عمر ¥ أنّه كان قد قال عدة أمور فوافقه القرآن عليها. والسّبب في ذلك واللّه أعلم عائد لصفاء عقيدته وقداسة قلبه ونورانية روحه، ففاض عليه من حضرة علام الغيوب كلمات وافقت التنزيل الإلهي. ذلك أنّ القرآن الكريم نزل من اللوح المحفوظ إلى السّماء الدنيا مرّة واحدة، ومن ثمّ نزل منجّما حسب النوازل والمصالح على رسول اللّه ،