موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم،

التهانوي (المتوفى: 1158 هـ)

الدهرية:

صفحة 800 - الجزء 1

  كثيرة، بخلاف الزمان فإنه يقع على المدة القليلة والكثيرة. وفي المغرب الدهر والزمان واحد.

  وأما الفقهاء فقد اختلفوا فيه. فقال أبو حنيفة | لا أدري ما الدهر وما معناه لأنّه لفظ مجمل ولم يجد نصّا على المراد عنه⁣(⁣١) فتوقّف فيه. ثم اختلفوا فروى بشر⁣(⁣٢) عن أبي يوسف أنّ التعريف والتنكير سواء عند أبي حنيفة |، وذكر في الهداية الصحيح أنّ هذا في المنكّر وأمّا المعرّف فبمعنى الأبد بحسب العرف. وعندهما الدهر معرفا ومنكرا ستة أشهر هكذا يستفاد من جامع الرموز والبرجندي في آخر كتاب الإيمان.

الدّهرية:

  [في الانكليزية] Atheism، materialism - Atheisme، materialisme، al

  [في الفرنسية] dahriya (secte)

  فرقة من الكفار ذهبوا إلى قدم الدهر واستناد الحوادث إلى الدهر كما أخبر اللّه تعالى عنهم بقوله {وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ}⁣(⁣٣) كذا في شرح المقاصد. وذهبوا إلى ترك العبادات رأسا لأنها لا تفيد، وإنّما الدهر بما يقتضيه مجبول من حيث الفطرة على ما هو الواقع فيه. فما ثمّ إلّا أرحام تدفع وأرض تبلع وسماء تقلع وسحاب تقشع وهواء تقمع، ويسمّون بالملاحدة أيضا. فهم عبدوا اللّه من حيث الهوية⁣(⁣٤). قال # «إنّ الدهر هو اللّه»⁣(⁣٥) كذا في الإنسان الكامل في باب سرّ الأديان ويجيء في لفظ الشرك أيضا. وفي كليات أبي البقاء الدهر هو في الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه ومدة الحياة، وهو في الحقيقة لا وجود له في الخارج عند المتكلّمين لأنه عندهم عبارة عن مقارنة حادث لحادث، والمقارنة أصل اعتباري عدمي. ولذا ينبغي [في التحقيق]⁣(⁣٦) أن لا يكون عند من حدّه من الحكماء بمقدار حركة الفلك. وأما عند من عرّفه منهم بأنّه حركة الفلك فإنه وإن كان وجوديّا إلّا أنه لا يصلح للتأثير. والدهر معرّفا الأبد بلا خلاف. وأمّا منكّرا فقد قال أبو حنيفة | لا أدري كيف هو في حكم التقدير لأنّ مقادير الأسماء واللغات لا تثبت إلّا توقيفا.

  وجاء في ترجمة المشكاة للشيخ عبد الحق الدّهلوي في شرح حديث: «يؤذيني ابن آدم، يسبّ الدهر وأنا الدهر»، إلى آخره، مذكور أنّ الدهر بمعنى الفاعل والمدبّر والمتصرّف، لأنّ سبّ الدّهر مشعر باعتقاد أنّه فعّال ومتصرّف.

  ويقال: الدّهر اسم فاعل متصرّف. لذلك قال:

  «أنا الدّهر» يعني ما تعتقده (يا ابن آدم) بأنّه فاعل ومتصرّف فأنا الفاعل والمتصرّف فثمّة مضاف محذوف أي أنا مقلّب الدّهر، كما يدلّ على ذلك آخر الحديث، أعني: بيدي الأمر أقلب الليل والنهار. وقال الكرماني (شارح البخاري):

  المراد بأنا الدهر أنا المدهر أي مقلّبه. وقال بعضهم: الدّهر هو من الأسماء الحسنى الإلهية.

  وقد أنكر ذلك «الخطابي»، ولكن صحّة ذلك تفهم من القاموس مع صرف النظر عنها كون ذلك ليس فيه معنى جيدا، إلّا بمعنى: الدّهر:

  فاعل ومتصرّف ووجود الأذى بسبّ الدّهر من حيث إنّ الذّمّ والسبّ مشعر بثبوت التصرّف له،


(١) منه (م).

(٢) هو بشر بن الوليد بن خالد الكندي البغدادي. توفي عام ٢٣٨ هـ / ٨٥٣ م. من تلاميذ أبي يوسف صاحب أبي حنيفة. قاض حنفي. له عدة مؤلفات. هدية العارفين ٥/ ٢٣٢.

(٣) الجاثية / ٢٤.

(٤) الهواية (م).

(٥) رواه أحمد في المسند ٥/ ٢٩٩، بلفظ: لا تسبوا الدهر فإن اللّه هو الدهر.

(٦) [في التحقيق] (+ م، ع).