[بيان الحكمة في تضييق وبسط الأرزاق]
  قد استحق الخذلان وسلب التوفيق لما تقدم من معصيته، فلذلك أغفل قلبه عقوبة له؛ لأن الله - تعالى - لا يغفل قلبه عن ذكره إبتداءً؛ لأنه مريد للطاعة من جميع عباده كافرهم ومؤمنهم خلافاً لما ذهبت إليه المجبرة.
[بيان الحكمة في تضييق وبسط الأرزاق]
  وكان في مقدوره التوسيع عليهم، وبسط أرزاقهم، ولكن ضيق عليهم تعريضاً لمنازل عالية، ودرج رفيعة، لم يكن يوصل إليها إلا بتلك المشاق من الفقر وغيره، فرضوا بها وصبروا عليها، وهذا باب كبير من أبواب الدين، فمن جهل حكمة الله في المخالفة فيه بين عباده في البسط والقبض فقد جهل أصلاً كبيراً لا يسع أحداً جهلُه، ولا يتمحض الإيمان إلا بمعرفته، وكيف يسوغ إنكاره وآيات الكتاب الكريم مشحونة بذكره، وكذلك السنة الشريفة، وأقوال الأئمة مع إجماع الأمة وحجج العقول.
  أمَّا الكتاب: فقد تقدم منه شطر كافٍ، وكذلك السنة الشريفة.
  وأما الإجماع: فلا يعلم قائلاً به من الأمة قبل حدوث هذا القول.
  وأما كلام الأئمة $: فموجود في كتبهم وهي ظاهرة بحمد الله للكافة، ولو لم يكن من ذلك إلا ما روي عن أمير المؤمنين # في كتاب (نهج البلاغة) حيث قال: (وقسم الأرزاق فقللها وكثرها، وقسمها على الضيق والسعة، فعدل فيها لبلى(١) من أراد في ذلك بميسورها ومعسورها، وأراد بذلك الصبر والشكر من غنيها وفقيرها، وقرن بسعتها عقابيل(٢) فاقتها، وبفرح أفراحها غصص أتراحها)، ولولا خشية التطويل لذكرنا من قول كل إمام من آبائنا $ ما يشهد بصدق ما قلناه، وفي قول علي # مقنع في هذا المكان وغيره؛ إذ الكل راجع إليه وفرع
(١) في النهج: ليبتلي.
(٢) في (م، ن): عقابيل وهي الشدائد، تمت.