[بيان الحكمة في تضييق وبسط الأرزاق]
  عنه، ولا تصح الإمامة والسلامة إلا بمتابعته، فقد رأيت أن كلامنا تفصيل لهذه الجملة التي أجملها علي بن أبي طالب #.
  وأما دلالة العقول: فهي ظاهرة من وجوه:
  أحدها: أن الباري - تعالى - متفضل بالأرزاق، وللمتفضل المفاضلة بالإجماع.
  وثانيها: أن الدنيا دار بلوى، والبلوى لا تكون إلا بالسعة والضيق، وقد صرح سبحانه بذلك في قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥].
  والعقول تقضي بحسن البلوى، والبلوى لا تكون إلا بما تنفر عنه النفوس، ولهذا لما كان الخير يجب عليه الشكر، والشكر لا يقع في حق الله - تعالى - إلا بالقيام بالواجبات، وترك المقبحات، وأداء الواجبات وترك المقبحات يشق على النفوس.
  سمي بلوى بإسم ما يؤدي إليه وذلك سائغ(١) في اللغة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا}[النساء: ١٠]، وذلك غير واقع في الحال، وإنما أكلوه شهياً لذيذاً، فلما كان مقدمة لأكلهم النار في دار العذاب - نعوذ بالله منها - ومؤدياً إلى ذلك سمَّاه بإسم ما يؤدي إليه، ولهذا قضينا بأن المشاق التي تنزل بالعباد من الله - تعالى - كالفقر، والمرض، والجدب، وذهاب الأموال، وموت الأولاد، حسنة وأنها منفعة على الحقيقة إلا أن نفعها متأخر عنها خلافاً لما ذهبت إليه المجوس والبترية(٢)، كما حكينا عنهم في فصل الإمتحان في أبواب العدل، فإنهم ذهبوا إلى أن
(١) في (م): شائع.
(٢) البترية: يقال إنها فرقة من فرق الزيدية، أصحاب كثير النوى الأبتر، وهم متفقون مع الصالحية في المذهب ويرون رأي السليمانية في الإمامة من أنها شورى بين الخلق، ويقولون بإمامة المفضول مع وجود الأفضل إلى غير ذلك من التخاليط والأقوال التي تخالف مذهب الزيدية، قال الشهرستاني في الملل والنحل ص ١٦٢: أما في الأصول فيرون رأي المعتزلة حذو القذة بالقذة ويعظمون أئمة الإعتزال أعظم من تعظيمهم أئمة أهل البيت، انتهى.
ومن نظر بعين الإنصاف والبصيرة في حقيقة الزيدي ما هي؟ وما هي عقيدته؟ وقارن بين أقوال الفرق =