شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[باب إثبات الصانع]

صفحة 56 - الجزء 1

  أن يصرفه عن الجواب فيما يعلم الله لحصول مثل هذا الغرض العظيم، كما منع زكريا عن الكلام آية له وقد كان مقدوراً له قبل ذلك.

  ومنها: أنهم لما سمعوه يقرأ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}⁣[النبأ: ٣٨]، قالوا: ما هذا الروح الذي يقوم صفاً والملائكة صفاً؟!

  فأخبرهم أنه خلق من خلق الله عظيم، فاستعظموا ذلك، فأمره الله - تعالى - أن يجيبهم عن إستعظامهم بقوله: هو {مِنْ أَمْرِ رَبِّي}⁣[الإسراء: ٨٥]، أي من خلق ربِّي، لأن الأمر قد يعبّر به عن الخلق يقول: هذا أمر عظيم، كما يقول: هذا خلق عظيم، يقول: ربِّي قادر لذاته، فلا يمتنع عليه ما يشاء فلا تستعظموه، فليس على قدرته عظيم.

  ومنها: أنهم لما سمعوا قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ١٩٣}⁣[الشعراء]، قالوا: من هذا الروح؟! وما صفته؟!

  فأمره الله أن يجيبهم بقوله: {قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}⁣[الإسراء: ٨٥].

  ومنها: أنه لما سمَّى الله القرآن روحاً بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}⁣[الشورى: ٥٢]، سألوه عنه، وأمره الله - تعالى - بإضافته إليه، وأنه لم يأت به من تلقاء نفسه.

  وقد رأيت لبعض آبائنا À أقوالاً تدل على تبقية الجواب فيه على الإجمال في هذه الآية إتباعاً للظاهر، فإذا سئلوا عن تفصيله أجابوا بما قلناه أولاً كما حكيناه عن الهادي #.

  ولا فرق عند أهل الشريعة بين الروح والنفوس، وطريقهم إلى العلم بذلك السمع من الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ}⁣[الأنعام: ٩٣]، أجمعوا أن المراد بذلك أرواحهم، وإن كان لفظ النفس يخرج على معان⁣(⁣١) كثيرة لا يحتمل هذا المختصر الكلام فيها.


(١) النفس الروح: يقال خرجت نفسه، والنفس الدم يقال: سالت نفسه، وفي الحديث: «ماليس له نفس سائلة فإنه لاينجس الماء إذا مات فيه» والنفس الجسد، ويقولون ثلاثة أنفس فيذكرونه لأنهم =