[الحديث الثاني عن سعد بن أبي وقاص]
  والحديث هذا من معجزات رسول الله ÷ ومنقبة عالية لوصيه، ودلالة بينة على عصمته، وطهارة مغيبه، وأنه من المتقين المحسنين شهد له رسول الله ÷ بذلك، وإذا قد ثبت أن الله يحبه فهو أولى بمقام رسول الله ÷ ممن لم يثبت له مثل ذلك.
  قال أحمد بن عيسى: والكتاب يدل على أن لله خيرة وصفوة من خلقه وعلى أن خيرته وصفوته من خلقه بعد الأنبياء المتقون بقول الله سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣]، وخيرة الله من المتقين الخاشعون لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ٤٩}[الأنبياء]، والخاشعون هم العلماء لقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨]، والعلماء أفضل المؤمنين لقوله: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ٩}[الزمر].
  والعلماء أعمل الناس بالعدل، وأعمل الناس بالعدل أولى الناس على العدل، وأهداهم إلى الحق لقوله: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ١٨١}[الأعراف]، وقوله: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٥}[يونس].
  وخيرة الله من العلماء المجاهدون لقوله: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ... إلى آخر القصة [النساء: ٩٥]، وخيرته من المجاهدين السابقون إلى الجهاد لقوله: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ... الآية}[الحديد: ١٠].
  وخيرته من السابقين البدريون، وخيرته من البدريين أكثرهم عملاً في الجهاد، وخيرة الله من البدريين علي بن أبي طالب ~؛ لأنه كان أكثرهم عملاً بالجهاد في سبيل الله وأكثرهم ضرباً وقتلاً وأسراً ومبارزة بين يدي رسول الله ÷ وأبذلهم لمهجة نفسه، وكان خير هذه الأمة وأتقاها وأخشاها وأعلمها بالسنة والعدل، وأهداها إلى الحق، وأقدمها هجرة، وأكثرها عملاً في الجهاد، وأحق الأمة بالإمامة، وأن يكون متبوعاً ولا يكون