الكامل المنير في إثبات ولاية أمير المؤمنين،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ لم يوص إلى أحد]

صفحة 26 - الجزء 1

  وتعالى: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمْ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}⁣[القصص: ٥١] يعني وصيًّا بعد نبي، ونبيًّا بعد وصي، فجرت الوصية من النبيين إلى الوصيين إلى يوم القيامة.

[الكلام على زعم الخوارج أن رسول الله ÷ لم يوص إلى أحد]

  وزعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم أن رسول الله ÷ لم يوص إلى أحد، ولم يستخلف أحداً، وأنه ترك ذلك حُسن نظر منه لأُمَّتِه لأَن لا يوصي بهم إلى رجل، أو يستخلفه عليهم فيعصونه فيكفروا [به]⁣(⁣١).

  فقل للخوارج: لو الفضل في ذلك، أو كان ذلك أصلح للأُمَّة، لكان ترك بعث الله ø للأنبياء والرسل إلى الأمم أصلح وأفضل لأن لا يعصوهم فيكفروا.

  وسلهم عن رجلين عالمين فاضلين كانت عندهما للناس ودائع وحقوق ومعرفة لبعضهم على بعض، والمواريث والصدقات وغير ذلك، فحضرتهما الوفاة، وأمسك أحدهما عن الوصية ولم يؤد إليهم ودائعهم، ولم يدفع إليهم حقوقهم، ولم يُعلِمهم مواضعها فيقصدوا قصدها، فبقوا حيارى، ومضى ذلك الرجل لسبيله، فوثب القوم على خزائنه، وادعى كل رجل منهم ما ليس له، ووثب بعضهم على بعض، واضطهد بعضهم بعضاً، وأخذ بعضهم حق بعض.

  أهذا في ترك وصيته وإعلام الناس بحقوقهم، وأداء ودائعهم إليهم أولى بحسن النظر لنفسه؛ ولمن خَلَّفَ من بعده؛ وأحرى عند الله بالنجاة يوم القيامة؟!.

  أم رجل حضرته الوفاة فذكر يوم معاده، فنظر فيما بينه وبين ربِّه وعباده، وأحب الخلاص ممَّا في عنقه، وقصد إلى نظيره في ورعه، وعلمه، وزهده، فأوصى إليه فيما له وعليه من الذي ما عنده من الحقوق، والودائع، والأمانات؟!.

  فإن قالوا: فإن رسول الله ÷ لم يكن عليه حق لأحد، ولم يُخلِّف مالاً، ولم يستودعه أحدٌ وديعة.


(١) من (ب، ج).